قرابة تسعة أشهر، لم تكن مدة زمنية كافية لميلاد اللائحة التنفيذية لأهم قانون في حياة نحو 10 ملايين مواطن أو أكثر صدر عن مجلس النواب في منتصف فبراير الماضى، ورغم حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على حقوق أبناء مصر من ذوي الإعاقة، وخروج القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بهم إلى النور، إلا أن أسبابا مجهولة عطلت تنفيذ ذلك التشريع الحقوقي المهم، بحجة عدم صدور لائحته التنفيذية المعطلة.. ساعات قليلة وتبدأ بعدها أولى فاعليات منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ، بحضور رئيس الجمهورية، ومئات المشاركين من مختلف دول العالم، ويتضمن المنتدى ثلاثة محاور رئيسية هى: السلام التطوير الابداع، ومن بين جلسات محور التطوير، يشهد المتابعون للمنتدى جلسة مهمة بعنوان: »تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة .. نحو عالم أكثر تكاملاً«، والذي من المقرر أن تستعرض فيه أجهزة الدولة المصرية أبرز بنود القانون الجديد، وما تم من إنجازات حقيقية تهدف إلى حصول ذوي الإعاقة على حقوقهم وتمكنهم من الحياة الكريمة وسط بيئة تشريعية داعمة.
وتوقع عدد من نشطاء الأشخاص ذوي الإعاقة أن يتم صدور اللائحة التنفيذية للقانون قبل بدء تلك الجلسة، للتأكيد على مكتسبات القانون الجديد الذى يحاكي التجارب الدولية في دعم ودمج ذوي الإعاقة في كافة مناحى الحياة، وفق معايير ومفاهيم الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التى وقعت عليها مصر في غضون عام 2008. بعض الأشخاص ذوي الإعاقة أشاروا إلى عدد من الأسباب التى قد تكون من وجهة نظرهم وراء تعطيل صدور اللائحة فى الوقت الزمنى المحدد لها وهو 6 أشهر، كما أن أعضاء مجلس النواب من ممثلى الإعاقات المختلفة كانت لهم آراء أخرى نستعرض بعضها خلال السطور التالية. تعطيل صدور اللائحة ايمان مراد، ناشطة حقوقية فى مجال الإعاقة، نبهت الى أن عدم وجود إحصاء صحيح لأعداد ذوي الإعاقة وتصنيف إعاقتهم في مصر، هو السبب الرئيسي في تعطيل صدور اللائحة التنفيذية، خاصة وأن بعض بنود القانون مرتبطة بمتطلبات مادية ضخمة ومساعدات ومعاشات تعد بمثابة تحديات كبيرة لتنفيذ بنود القانون على مستحقيها من ذوي الإعاقة، وأشارت إلى تضارب كبير في خروج مسودات اللائحة التنفيذية من وزارة التضامن وأخرى من مجلس شئون ذوي الإعاقة، أسفرت عن وجود حالة من الاستياء لدى بعض ذوي الإعاقة لبعدها الكامل عن تمكينهم ودمجهم في المجتمع بطريقة صحيحة، وبأسلوب أبعد ما تكون عما تناوله القانون الجديد والدستور المصري، وأضافت أن ما تردد عن مسودات ومشروعات اللائحة أظهر تهميشا جديدا لفئة المعاقين من بعض أجهزة الحكومة تسبب في وصف عام الإعاقة، بأنه لم يقدم جديداً للفئة المستهدفة له. التصنيف الوطني للإعاقة وأوضحت أن من بين العناصر التى شملتها المسودات التي وصفتها ب«غير المنصفة«، ما يسمى ب«التصنيف الوطنى للإعاقة« والذى ظهر في أحد مشروعات اللائحة المقترحة، ويتنافى تماماً مع بنود الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة، حيث استبعد هذا التصنيف مرضى شلل الأطفال (القدم الواحدة) مثلاً من فئة المعاقين، واستبعاد الأشخاص القادرين على السير لمسافة 250 مترا خلال 6 دقائق «بدون عكاز» من فئة المعاقين أيضاً، أياً كان المرض أو القصور الوظيفي الذي يعانون منه، ليس هذا فحسب بل إن فاقد البصر في عين واحد لا يعد من ذوي الإعاقة البصرية، علاوة على نسب غير منطقية لحاسة السمع والذكاء في أمراض ذوي الإعاقة السمعية والذهنية! وطالبت بضرورة الالتزام بالتصنيف الدولي للإعاقة الواردة في الاتفاقية الدولية دون غيره من مقترحات. ورداً على هذه المخاوف، قالت الدكتورة هبة هجرس عضو مجلس النواب : لا يوجد ما يسمى بالتصنيف الوطني للإعاقة، والكلام عنه يعد بمثابة هزل لا محل له من الحديث، مؤكدة أن مصر وقعت على الإتفاقية الدولية بتصنيفها الدولي، والأخذ بأى مستحدث عما هو مقرر بالتصنيف الدولي يعد بمثابة خرق لإتفاقية دولية للأمم المتحدة، ومنافيا لما جاء بالدستور المصري من ضرورة الالتزام بالمعاهدات الدولية. قنبلة موقوتة ويقول سامي أحمد مدير المشاركة السياسية بالمجلس القومي لشئون الإعاقة، أن ربط القانون ببعض المساعدات المادية جاء بمثابة قنبلة موقوتة داخل القانون، حالت دون تنفيذه بشكل ميسر وسريع، خاصة وأنه يتسبب في أعباء مالية كبيرة لميزانية الدولة في توفير المساعدات والحقوق المالية المقررة فى القانون، رغم أن تنفيذ المواد القانونية الأخرى لا تمثل عائقا بقدر ما توفر تيسيرات حيوية مختلفة، ومنها على سبيل المثال الالتزام بتوفير »كود الإتاحة في البناء«، وأيضاً الإعفاءات الجمركية التى لا تأخذ من خزانة الدولة بقدر ما تقلل مواردها المستقبلية عند التنفيذ، وأيضاً بنود القانون فيما يخص الرعاية الصحية ودمج التعليم، كلها حقوق ومكتسبات تعطلت بسبب بعض البنود التى جاءت بمثابة إشكالية لتنفيذ القانون بطريقة طبيعية. مكتسبات عديدة وأوضح سامي أحمد أن هناك مكتسبات عديدة حصل عليها ذوو الإعاقة خلال هذا العام، أبرزها ظهور حافلات النقل الجماعي التى انتشرت بعض الشىء في شوارع العاصمة، والمزودة بإتاحة للإعاقة الحركية، وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق المخفضة لتلك الفئة، وأيضاً مكتسبات للمشاركة السياسية لذوي الإعاقة في الانتخابات الرئاسية، وما قدمته الهيئة الوطنية للانتخابات من تيسيرات عديدة، ومن الايجابيات أيضاً تفعيل مشاركة ذوي الإعاقة في الاحتفالات واللقاءات الهامة للدولة المصرية والمؤتمرات الدولية والمحلية، بأسلوب يوضح أن ذوي الإعاقة أصبح لديهم مكانة ثابتة على قوائم الحضور في كل الفاعليات بمشاركة حقيقية ليست ادعاء أو خيالا. 3 قوانين معطلة جزئياً وأكد النائب خالد حنفي عضو مجلس النواب أن مصر سوف تستعرض أمام العالم خلال منتدى الشباب بشرم الشيخ خطوة هامة حققتها على صعيد التشريعات الحقوقية الجديدة، منها قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذى خرج إلى النور بجهد ورغبة رئيس الجمهورية، والذى ينهض بالحقوق ومجالات التنمية بخطوات متقدمة تحتاج إلى مواكبة سريعة من الجهاز الحكومي، ورغم صدور عدد كبير من التشريعات من مجلس النواب إلا أن هناك ثلاثة قوانين معطلة جزئياً بسبب عدم إصدار اللوائح التنفيذية لها، وهى: قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنة 2017 وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 وقانون معاشات أسر ضحايا العمليات الإرهابية، وكل هذه القوانين هى مواد قانونية ضخمة وجديدة تحتاج إلى سرعة في الإنجاز نظراً لتداخل مسئوليتها فى عدد من الجهات الحكومية، فعن قانون حقوق ذوي الإعاقة فقد تم التصديق عليه ونشره بالجريدة الرسمية في 19 من شهر فبراير الماضى، وكان آخر المدة المحددة لصدور لائحته التنفيذية في 19 أغسطس الماضى، وقد مر نحو شهرين ونصف الشهر على آخر موعد ولم تصدر اللائحة من الحكومة المصرية حتى الآن لأسباب غير محددة، الأمر الذى تسبب في تعطيل تنفيذ القانون، ومن الأمثلة على هذا التعطيل عدم تنفيذ المواد الصريحة في القانون المتعلقة بالإعفاءات الجمركية، ورفض وزارة المالية السماح لذوي الإعاقة البصرية بحقوق في استيراد سيارات مجهزة من الخارج لهم يقودها مساعدوهم كما جاء بالقانون، ورغم صدور حكم بمجلس الدولة في 13 من شهر أكتوبر الماضي، بالسماح لذوي الإعاقة البصرية بالاعفاءات الجمركية على السيارات، إلا أن الوزارة احتجت على عدم صدور اللائحة التى يجب على الحكومة اصدارها، بشكل وبأسلوب يمكن وصفه أنه لا يحترم القانون ولا الأحكام القضائية المكملة له. تصنيف جديد للإعاقة وأوضح عضو مجلس النواب أن ما تردد بشأن وجود تصنيف جديد للإعاقة في مصر تحت مسمى التصنيف الوطنى، يعد بمثابة كارثة قانونية كاملة الأركان، خاصة وأن مصر في غضون عام 2008 وقعت على الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بما تتضمنه من تصنيف لذوي الإعاقة في مصر، وتأكيداً على هذا المبدأ رفضت مصر وقتها التوقيع على البروتوكول الاختياري المكمل للإتفاقية، والذي يتوسع في مفهوم تصنيف المعاقين وأدخل به بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض سكر الدم وضعف عضلة القلب وغيرها من الأمراض والقصور الوظيفية، التى تعد مفهوم أشمل للإعاقة اعتمدته بعض الدول عن غيرها، ومن وقتها اقتصرت الإعاقة على الحركية والسمعية والبصرية والذهنية وقصار القامة بنسب ووصف محدد على سبيل الحصر في التصنيف الدولي، وما يأتي على غير شاكلته يعد عبث قانوني لا يسمح به مطلقاً. الضمانات الكافية وأشار النائب خالد حنفي أن هناك إجراءات كان يجب العمل عليها طوال التسعة شهور الماضية التى انتظرنا فيها خروج اللائحة التنفيذية للقانون، ومنها الضمانات الكافية للسيطرة على المجالس الطبية المتخصصة لضمان محاربة الفساد الوارد في بعضها والمعاملة غير الحسنة المتوقعة عقب صدور اللائحة لاستخراج بطاقات الوصف الطبي لذوي الإعاقة، فرغم وجود مواد قانونية محددة بالقانون الجديد لعدم استغلال حالات الإعاقة أو الادعاء بوجود إعاقة للحصول على امتيازات، إلا أن الأمر لابد وأن يتم التجهيز له بالشكل والطريقة اللائقة لضمان عدم تسلل ضعاف النفوس إلى تلك الفئة التى تهتم بها الدولة المصرية وتهتم بحصولها على حقوقها الدستورية، كما لابد من توافر ضمانات وإجراءات كافية تضمن عدم سوء معاملة المعاق وأسرته في أثناء قيامه وتقدمه لإستخراج بطاقات الإعاقة الجديدة، وأيضاً توفير مجالس طبية في المحافظات وعدم الاعتماد على فكرة ومفهوم المركزية في الكشف، الأمر الذى قد يتسبب فى اعباء بدنية وصحية ومالية على ذوي الإعاقة واسرهم من المحافظات إذا ما لزم وجودهم بمحافظة القاهرة لاستخراج تلك البطاقات. وأوضح النائب أنه رغم التباطؤ في صدور اللائحة إلا أن الجهود المصرية في رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة واهتمام رئيس الجمهورية شخصياً بهم، تجعل مصر في المراكز الأولى دولياً في دمج وتمكين ذوي الإعاقة في الحياة العامة والسياسية والعملية أيضاً، ولعل ما تبرزه الدولة من مجالات على الصعيد المحلى سواء كانت رياضية أو علمية أو من خلال استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات خير دليل على رفعة مكانة ذوي الإعاقة وقضيتهم مقارنة ببعض التجارب الدولية الأخرى. سياحة ذوي الإعاقة وأضاف أنه خلال المنتديات السابقة تمت المطالبة بعمل ملتقى دولى خاص بشباب ذوي الإعاقة فقط، ولو لمرة واحدة على غرار منتدى الشباب الدولي، لظهور مكانة مصر في رعاية وتمكين ذوي الإعاقة، وفتح آفاق جديدة نحو »سياحة الأشخاص ذوي الإعاقة« والتى قد تدعم الموارد المالية للدولة بنحو 6 مليارات دولار سنويا، ونجعل من مدينة السلام مدينة شرم الشيخ منبراً للشباب ذوي الإعاقة من كل أنحاء العالم، يدعو إلى الدمج والتمكين على أسس علمية وتجارب مصرية راسخة. المقصود بلفظ التمكين وأكدت الدكتورة هبة هجرس عضو مجلس النواب، أن عنوان الجلسة الخاصة بقضية الإعاقة يأتى ضمن محور التطور، وتحت عنوان تمكين ذوي الإعاقة نحو عالم أكثر تكاملاً، وقد يظن البعض أن المقصود بلفظ »التمكين« هو التمكين الاقتصادى فقط، وهذا خطأ، فالمقصود بالتمكين كل المحاور الحياتية ومنها الاقتصادى والتعليمي والصحي وفرص العمل وغيرها من المجالات التى تضمن أن يحيا ذوو الإعاقة حياة مجتمعية طبيعية بعد القضاء على المعوقات التى تواجههم أو تيسيرها. وأضافت أنه لا يمكن الحديث عن التمكين وغض الطرف عن »عظمة« القانون المصري الجديد الذى جاء بمثابة إنجاز تشريعي تاريخي، يضمن حقوق ذوي الإعاقة بحماية قانونية محددة لا يمكن تغافلها، ولكن لازلنا ننتظر تفعيل هذا القانون بخروج لائحته التنفيذية التى تأخرت دون إبداء أى أسباب لتأخرها! وأشارت النائبة إلى أنها طالما أكدت أن القانون يعد بمثابة تشريع ضخم، تشترك فيه كل أجهزة الدولة تقريباً، ويحتاج إلى وقت للإطلاع على المسئوليات المحددة من كل جهة، إلا أن الفترة الزمنية التى تم استغراقها كافية وتزيد عن الحد المطلوب للتنفيذ، حتى أننا صرنا لا نعلم أسباب كل هذا التأخير، خاصة وأن خروج اللائحة لا يعبر عن تنفيذ كل بنود القانون فوراً، بل سوف تكون هناك فترة زمنية كبيرة أيضاً لتوقيع الكشوف الطبية، واستخراج بطاقات الإعاقة المحددة بالقانون، وتقديم الطلبات إلى الجهات المختصة للحصول على الحقوق الواردة في مواد القانون، كل هذا وقت كافٍ للتجهيزات الإدارية المطلوبة، ولن يتم تنفيذ القانون بين يوم وليلة! ولا يوجد قانون ينفذ بشكل عاجل مطلقاً. وأوضحت الدكتورة هبة هجرس أن مصر قدمت الكثير والكثير خلال »عام ذوي الإعاقة« من حقوق ومكتسبات، أبرزها فكرة تخصيص العام لذوي الإعاقة، ووضع قضيتهم على رأس أولويات الدولة والذى لم يكن ليتحقق إلا برعاية ودعم الرئيس عبدد الفتاح السيسى، بعد تهميش دام لأكثر من 42 عاما من المطالبات المستمرة، كما أسهم تغيير الصورة النمطية عن الأشخاص ذوي الإعاقة في وسائل الإعلام لزيادة الوعى المجتمعي نسبياً بحقوق ذوي الإعاقة، وقضيتهم التى نجدها فى غالبية الأسر المصرية، وأضافت أن بعض الحقوق المكتسبة لم تأت من حيث تنفيذ قانون حقوق المعاقين المنتظر تفعيله، بل هناك وجود لحقوق ذوي الإعاقة في القوانين الأخرى، ومنها قانون الخدمة المدنية الذي يلزم صاحب العمل بتخفيض ساعات العمل للشخص ذي الإعاقة، الأمر الذي يراعي المعاق ويحافظ على حقوقه في كل مناحى الحياة العامة والوظيفية للدولة، وهو أسمى معانى التمكين التى يمكن استعراضها خلال منتدى الشباب الوطنى القادم.