لو كان الفيلسوف الفرنسى شارل لوى دى سيكوندا «مونتيسكيو»، حيًا بيننا الآن، وقرأ تلك القصة الدامية التى نشرها الموقع الإلكترونى لصحيفة «اليوم السابع» قبل أيام، لأحد الغارمين الذين تم إطلاقهم أخيرا، ضمن مبادرة «سجون بلا غارمين»، لأشعل النار فى كتابه «روح القانون»، ولربما ألقى بنفسه أسفل عجلات مترو الأنفاق، بعدما تحول كتابه الفريد، الذى مثّل نقطة الانطلاق لعصر التنوير فى أوروبا، إلى أثر بعد عين.. خسر موظف ملوى البسيط عامًا من عمره خلف أسوار السجون، من أجل مديونية لا تتجاوز 1600 جنيه، بينما فقد مونتيسكيو بصره، وهو يضع لبنات ذلك الكتاب الملهم، الذى قضى سنوات طويلة من عمره فى إعداده، مستندًا فى ذلك على حصيلة معرفية ضخمة، من تلك الدرر النادرة التى أنجزها الفلاسفة المعاصرون فى أوروبا، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وغيرهم من الفلاسفة العظام فى تاريخ الحضارة الإنسانية، مثل أفلاطون وأرسطو وميكيافيللى، قبل أن تقابله سلطة الكنيسة حينذاك بالجحود، وتضعه ضمن قائمة الكتب المحرمة، بعد اتهام صاحبه بالهرطقة.. كان كتاب «روح القانون» هو الكتاب الملهم للثورة الفرنسية، التى استمدت منه قيم الحرية والعدل والإخاء، وهو يعد كذلك الأب المؤسس للدستور الأمريكى، خصوصا فى مسألة الفصل بين السلطات، لكنه فوق ذلك كله يعد واحدًا من المرجعيات الرئيسية لكل باحث مجتهد، فى طبيعة العلاقة بين مكونات الحضارة الإنسانية، التى يبدو أنها بلغت أدنى معدلاتها فى مصر خلال الأربعة عقود الأخيرة، على نحو يشى بخطر بالغ.. يقول مونتيسكيو فى الباب الأول من كتابه «روح القانون»، إن الجمهورية يجب أن تقوم على الفضيلة، فأى فضيلة تلك التى دفعت بمسئولين عن حزمة الإجراءات القانونية، إلى الدفع بالغارم «أشرف. ف» إلى غياهب السجون، ليقضى بين جدرانها عاما كاملا من أجل مبلغ بسيط، كان باستطاعة أحدهم أن يدفعه من جيبه، ولا يحرم رجلًا من بيته وأسرته، ولا طفله الرضيع الذى اضطر للاستدانة من أجل أن يوفر له علبة الحليب؟ إن المرء لا يملك فى هذا المقام، وهو جد خطير، إلا أن يثمن تلك المبادرة الكريمة التى أطلقها الرئيس السيسى فى أغسطس الماضى، تحت عنوان «سجون بلا غارمين»، ولعلها تلهم كثيرا من منظمات المجتمع المدنى، لأن تقوم بدورها الغائب فى دعم المجتمع، والحفاظ على السلام الاجتماعى، فى بلد يعيش مرحلة من أصعب المراحل التى يمكن أن يمر بها مجتمع فى العصر الحديث، وأن تضطلع هذه المنظمات بتغطية الفجوة التى أحدثتها إجراءات الإصلاح الاقتصادى الصعبة، والمتوقع أن تبلغ ذروتها العام المقبل، مع تطبيق الشريحة الأخيرة من برنامج صندوق النقد الدولى، وما سوف يصاحبها من موجة غلاء جديدة، يأمل الجميع أن تمر بسلام.. يقول لى الدكتور حسام بدراوى، وقد جمعنا لقاء أخير: إن منظمات المجتمع المدنى، أسهمت فى برامج التنمية التى تنفذها الدولة فى السنوات الأخيرة، بأكثر من 17 مليار جنيه، وهو رقم ضخم لم يشعر به أحد، لأن الإعلام لم يسلط عليه الضوء، فهل تكفى قصة أشرف لأن تنتبه العديد من جمعياتنا الأهلية لتلك الكارثة، فتمد يد العون أكثر للعديد من شرائح المجتمع قبل فوات الأوان. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى