باع نظام مبارك الأوهام عامداً متعمداً، عارفاً بزيف خطابه السياسى وبكذب دعايته، التى كان أول مهامها تجميل صورة النظام والعائلة الحاكمة فى الخارج، وأما فى الداخل فكان أهم ما تستهدفه إيهام الرأى العام بأن الأمور رائعة وأن القادم أروع. ومن الشواهد المتعددة، التى ينبغي، للمصلحة العامة، أن يُناط بدراستها باحثون جادون ملتزمون بالمنهج العلمى دون انحيازات سياسية، أن خبراء النظام كانوا يتحدثون عن خطط استراتيجية لجذب الاستثمار، خاصة الخارجي، ويزعمون أن مؤشرات النجاح مؤكدة، وأنها تُبشِّر بتكالب أكبر المستثمرين فى العالم ومعهم مئات المليارات التى سيغرق المصريون فى نعيمها..إلخ. والغريب أن هؤلاء الخبراء كانوا يعلمون عن يقين، أكثر من غيرهم، استحالة أن يتحقق حتى القليل مما يُقال، لأن الأسس الأولى لجذب الاستثمار لم تكن متوافرة، بل على العكس، فإن المخاطر التى يخشاها المستثمرون تفشت إلى أقصى حد! مثلاً، فإن القوانين الخاصة بالاستثمار كانت ترتاب فى المستثمر، فإذا أثبت براءته والتزم بالمطلوب وحصل على التراخيص، فكان يصطدم بندرة العمالة الماهرة، وبعجز الكهرباء والبنزين والسولار وأدوات الاتصال الحديثة عن الوفاء بما يلزم لتدوير مشروعه, ولم يكن هناك طرق وسكك حديدية وموانى لنقل منتجاته إلى السوق المحلية وإلى الخارج، وأما النظام المصرفي، وبفرض النجاح فى جذب أموال المستثمرين، فإن قنواته المتاحة والإجراءات المفروضة لا تسمح له بالعمل الكفء الضرورى لاستقبال الأموال الضخمة وتسهيل احتياجات أصحابها، وتحقيق أرباح للبنوك، إضافة إلى ازدواج سعر العملة. كما لم يكن هناك نظام ضريبى رشيد يضمن حقوق الدولة ويوفِّر حوافز استمرار الاستثمار وتوسعة مشروعاته العاملة، وجذب المستثمرين المحتملين. وأما الفساد ففى كل خطوة..إلخ. ورغم أن البعض كانوا يدركون هذه الحقائق المريرة إجمالاً، فإن التفاصيل المرعبة لم تتبين بالدقة إلا بعد الإطاحة بنظام مبارك فى ثورة يناير، فظهرت قضايا ملحة أخرى تُضاف إلى الشعارات المرفوعة عن رفض التمديد والتوريث..إلخ. ثم كانت دوّامة الإخوان الذين انصب اهتمامهم فى مؤامرات الاستيلاء على الحكم، ولم يبدُ عليهم اهتمام حقيقى بالخراب الموروث من عصر مبارك. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب