إذا كثر أعداء الرجل، وكانوا من العقلاء، فاعلم أنه إنسان عظيم. ومَنْ غيرُ شوقي، الذى تمالأ عليه الخصوم، وشنَّع عليه المتزيِّدون، وولغ فى لحمه الآكلون والشاربون، ووصمه بما ليس فيه الكارهون، والكاشحون؟ فما تأثَّر شوقي، بحملات التشويه، والتشهير، والبهتان المبين. ومَنْ غيرُ شوقي، الذى تغنّى بأشعاره الوالهون، والصادقون، والناقدون، والفاهمون، والفنانون؟ فلا جرم أنه أعجوبة القرون، فقد اختصر الزمن والتاريخ، فطاول عمالقة الشعر العربى فى عصوره الزاهية، فوضع نفسه - بجدارةٍ - بينهم، فعارضهم، ونافسهم، فكان ثالث الثلاثة: امرؤ القيس، والمتنبى. فبعد قرنٍ ونصفٍ قرن من الزمان على ميلاد أمير الشعر والنثر أحمد بك شوقي، تُرى أين هى الكتابات التى أفرغتْ قيحها وصديدها دفعةً واحدةً للنيل منه وتحطيمه؟ وهل بقى منها شىء أمام محكمة الأدب والنقد والتاريخ؟ وهل مازالت حيةً، يقرؤها الناقد الحصيف، أم ماتت فى رحم أصحابها وصويحباتها؟ لقد بقى شوقى تزهو البشرية بشعره، وتترنم به، وتفخر، وتُفاخِر أنْ رأت فى القرن العشرين شاعراً يُطاوِل أمراء الشعر العربى فى عز مجده الغابر، فهامة شوقى تُماثِل هامات: امرئ القيس، وبشار، وأبى نواس،، وأبى تمام، والبحتري، وابن الرومي، والمتنبي، والمعري، وشعره يضاهى أشعارهم، رغم الفارق الزمنى الطويل بينهم. فوفقاً لأحد النقاد المنصفين: «فشوقى، كان تعويضاً عادلاً عن عشرة قرونٍ خلت بعد المتنبي، لم يظهر فيها شاعر موهوب يصل ما انقطع من وحى الشعر، ويجدد ما اندرس من نهج الأدب». إذن، فشوقى يزن عشرة قرون، بشعرائها، ومبدعيها، وعباقرتها، ونوابغها، فهو رجلٌ يزن وحده شِعر أمةٍ، وهو رجلٌ مُكَلَّلٌ بالمجد والحسد معاً من أنصاره وخصومه. ويكفى دليلاً على عظمة شوقى الشعرية، أن العملاق عباس محمود العقاد، الذى شنَّ على شوقى أشنع معركة شخصية، تراجع عن آرائه، ولكن بعد رحيل شوقى بربع قرنٍ، فاعترف به أميراً للبيان، والفن، فقال فى كلمة ألقاها فى المهرجان الذى أقيم فى القاهرة، فى عام 1958م، احتفاءً بأمير الشعراء أحمد شوقي: «كان أحمد شوقى علماً فى جيله، كان علماً للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرّف والابتكار». وكذلك، اعترف إبراهيم عبد القادر المازنى لشوقى بمكانته وعبقريته. «شوقى»، كما قال د. الطاهر أحمد مكى، اختصر الزمان، والمكان، والثقافات، فعاش فى العصر الحديث، وهو سيد الشعر، والتجديد، بلا منازع. ويقول الناقد د. مصطفى الشكعة: لو اخترنا مائة شاعرٍ على مستوى البشرية، لكان منهم شوقى.