يبدأ غدا الرئيس الدكتور محمد مرسي أول زيارة لدولة غير عربية هي الصين, وهي زيارة مهمة للغاية, وتحمل من المضامين والدلالات الكثير,اختيار الدكتور مرسي أن تكون أول زيارة خارجية له إلي ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولاياتالمتحدة. ف تشير إلي أن مصر تتجه إلي إقامة علاقات استراتيجية اقتصادية وسياسية مع الصين وأنها قررت أخيرا أن تتجه شرقا وتعتمد علي التجربة الآسيوية في التقدم الصناعي والاقتصادي لتعيد بحثها ودراستها من جديد بعد أن ظل المفكرون والباحثون يطالبون بذلك منذ أكثر من30 عاما دون استجابة.. وهكذا ضاعت علي مصر ثلاثة عقود كان يمكنها أن تصبح خلالها مثل تلك الدول المتطورة في آسيا كإندونيسيا أو ماليزيا أو الصين أو سنغافورة أو كوريا الجنوبية, وكلها دول بدأت مصر خطوات نهضتها وتقدمها قبلها. لكن لن نبكي طويلا علي اللبن المسكوب, وأرجو ألا نعود ونبكي عليه مرة أخري بعد30 عاما جديدة! فقد انتقلت مصر إلي مرحلة تاريخية جديدة, وأصبح لدينا نظام حكم مدني لأول مرة منذ60 عاما, ولدينا أول رئيس يتم انتخابه ديمقراطيا في تاريخ مصر.. والرجل يبدي من الجدية والنوايا الصادقة والخطوات العملية لتطوير مصر وتحديثها ما يجعل المصريين أكثر ثقة به واطمئنانا إلي سلامة قيادته. حلم مصر يابان الشرق والواقع أن منذ نهاية عقد السبعينيات من القرن ال20 وبعد حرب أكتوبر المجيدة وكثير من الكتاب والمفكرين المصريين والعرب كانوا يرددون سؤالا مهما هو: هل يمكن أن تصبح مصر مثل اليابان؟ خاصة بعد أن ظهرت قوة اليابان الصناعية والاقتصادية في العالم وأخذت منتجاتها ذات الجودة العالية تغزو الأسواق العالمية كما تفعل الصين حاليا وتحدث الكتاب وأسهبوا خاصة من زاروا اليابان ليس فقط عن تقدمها الصناعي والاقتصادي باعتبارها آنذاك الدولة الوحيدة في العالم, من خارج المعسكر الغربي التي تنجح في ذلك بل تحدثوا ايضا عن نظافة طرقها ومدنها ومنظومة القيم الراقية التي يلتزم بها المواطن الياباني سواء فيما يتعلق بالعمل وبحبه وحرصه علي مصالح بلده. وقد شاركت في عدة مؤتمرات في طوكيو وفي غيرها في إطار الحوار العربي الياباني, وحضرها كثير من الوزراء والمسئولين المصريين والعرب خاصة من منطقة الخليج العربي التي تعد المصدر الرئيسي للنفط إلي اليابان.. وكان أحد أهم المحاور التي يصر بعض المسئولين العرب علي مناقشتها مع الجانب الياباني هو حصول العرب علي التكنولوجيا اليابانية حتي ان بعضهم طرحها كما يلي: اليابان تحصل علي86% من احتياجاتها من النفط من منطقة الخليج العربي, لماذا لانفاوض اليابان للحصول علي بعض أسرارها التكنولوجية مقابل النفط؟ وقد آثار ذلك استهجان بعض اليابانيين الذين شاركوا في المؤتمر آنذاك 1995 وقال لي أحدهم: نحن ندفع الكثير من أموالنا مقابل الحصول علي نفط العرب ولا نحصل عليه مجانا أو حتي بتخفيض خاص.. ولا يمكن أن يساومونا بهذه الصيغة النفط مقابل التكنولوجيا فقد دفعنا الكثير من التضحيات والدماء مقابل الحصول علي تلك التكنولوجيا ولسنا مستعدين لان نهبها لاحد! وفي عهد النظام المخلوع روج البعض لمقولة ان التكنولوجيا اليابانية وصلت إلي مرحلة عالية من التطور والتعقيد وليس من السهل علي العامل المصري استيعابها, ثم انها اصبحت مكلفة للغاية وأن اليابانيين يدققون في كل شيء وكل التفاصيل.. وأن الأفضل لمصر في هذه المرحلة هي التجربة الماليزية أو الإندونيسية, وكما لم نتمكن من الاستفادة من التجربة اليابانية ايضا لم نتمكن من الاستفادة من تجربتي ماليزيا واندونيسيا الدولتين الإسلاميتين اللتين تشبه ظروفهما كثيرا ظروف مصر آنذاك. وضاعت علينا أيضا الاستفادة من دروس تجربتي ماليزيا واندونيسيا. صفقات مؤقتة أم علاقات استراتيجية وهكذا أخذ البعض مع السنوات الأخيرة للنظام السابق يروج لمقولة ان التكنولوجيا الصينية هي الأكثر مناسبة لنا في هذا الوقت, لكن لم يكن أحد من المسئولين في النظام السابق ينظر إلي الاستفادة التي تحققها مصر من التجارب الآسيوية سواء كانت اليابان أو الصين أو غيرهما, وكان كل هم أغلب رجال الأعمال والمسئولين حول الرئيس السابق خلال زياراته لدول آسيوية أو غربية هو ما هي الصفقات التي سوف يتمكنون من ابرامها خلال رحلتهم مع الرئيس.. وما هي المكاسب التي سوف تعود عليهم شخصيا ولم تكن مصر الدولة أو تقدمها ورقيها في فكر أو عقل أحد.. ففي حوار مع أحد المسئولين الكبار في دار السفارة المصرية بطوكيو استضافته وقتها السفيرة مرفت تلاوي, سألت المسئول الكبير الدكتور كيف تصبح القاهرة في نظافة ونظام طوكيو؟ فكان رده بسيطا للغاية عندما يعيش اليابانيون في مصر أو عندما يصبح المواطن المصري مثل الياباني, وهو يعني ببساطة أنه لا أمل.. فقلت له ان الحكومة اليابانية هي التي قادت المواطن إلي التقدم وأجبرته علي التزام القانون من خلال العقاب الصارم المطبق علي الجميع.. ورد ساخرا.. وأنت تريد أن تطبق ذلك في مصر.. بما يعني أنه لا تحلم نحن لا نريد لا عقليات هؤلاء المسئولين مرة أخري ونوعية رجال الأعمال الذين ينظرون إلي مصالحهم فقط ولنذهب مصالح البلاد إلي الجحيم. ماذا نريد من الصين؟ واعتقد أن الدكتور محمد مرسي يسعي إلي إبرام علاقات اقتصادية وسياسية استراتيجية مع الصين فمصر تأخرت كثيرا اقتصاديا وصناعيا وحضاريا.. ونريد أن نضع أقدامنا علي بداية الطريق الصحيح.. وأن يكون طريقا مستقيما وليس زجزاجا كما حدث علي مدي ال60 عاما الماضية.. ففي بداية ثورة1952 قلنا إن مصر تخلصت من الاستعمار والفساد وسوف نضع أقدامنا علي طريق التقدم.. ولم يحدث.. وبعد ان جاء السادات تفائلنا وقلنا بعد حرب أكتوبر المجيدة سوف نبدأ الطريق الصحيح.. ولم نبدأ حتي جاء عهد مبارك وكررنا نفس الأمل.. وهاهو ينتهي إلي لاشيء.. ومصر لم تحرز خطوة من التقدم الاقتصادي أو الصناعي أو التكنولوجي وصرنا أكثر تخلفا حضاريا! وها نحن علي أعتاب مرة جديدة أظن أنها مختلفة تماما.. ومازال لدينا الاصرار والأمل.. من الضروري أن الدكتور محمد مرسي قبل زيارته للصين شكل فريقا اقتصاديا بهدف دراسة التجربة الصينية.. وماذا نريد من الصين تحديدا.. وبماذا يمكن ان تساعدنا الصين لنبدأ الطريق؟ هل نريد استثمارات صينية تقدم الخبرة والتكنولوجيا لمصر.. أم نريد منحا ومساعدات.. وشحاتة ؟ كما كان يفعل النظام السابق, هل نسعي إلي ابرام صفقات عابرة ومؤقتة؟ كما كان يفعل رجال أعمال النظام المخلوع.. أم نريد علاقات صناعية وتكنولوجية إستراتيجية طويلة الأمد يمكن من خلالها تحقيق الفائدة للاقتصاد المصري؟ هل سوف تتفاوض مع الصين علي زيادة الصادرات المصرية للسوق الصيني حتي تقلل العجز التجاري معها والذي يصل إلي6.1 مليار دولار.. أم أن المفاوضات ستكون أعمق من ذلك ونرسم خطوط علاقات اقتصادية إستراتيجية للمستقبل تحقق صالح البلدين؟ وأتصور أن لدي الصين نقطتان مهمتان للغابة ينبغي علينا ان نركز عليهما حتي تضع مصر أقدامها علي بداية طريق التقدم! الأولي: التعليم وتدريب العنصر البشر الثانية: الخبرة التكنولوجية نجحت التجربة الاقتصادية اليابانية والكورية والماليزية وأخيرا الصينية بسبب التركيز علي التعليم وتدريب العنصر البشري.. وكانت اليابان من أوائل الدول التي أدركت واهتمت بتطوير وتعليم مواطنيها لانهم الثروة الحقيقة التي تعتمد عليها البلاد. وهكذا حزت غالبية الدول الآسيوية التي نجحت في إحراز تقدم اقتصادي وصناعي حذو اليابان في الاهتمام بتعليم وتدريب العنصر البشري.. وبالرغم من ان الفلبين اقرب الي اليابان جغرافيا وكان يمكنها ان تصبح نمرا اقتصاديا أيضا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وأندونسيا الا ان ضعف نظامها التعليمي وعدم الإدراك الكافي بقيمة التديب البشري, أعاقها عن اللحاق بتلك الدول. والصين نفسها لم تحقق تقدما اقتصاديا وتكنولوجيا مهما الا عندما قاد الزعيم التاريخي دينج شيا وبينج ثورته الاصلاحية ابتداء من عام1978 مطالبا الصنيين بالنظر الي التقدم الذي احرزه العالم في الوقت الذي كانوا يغلقون فيه كل ابوبهم خوفا من دخول رياح الرأسمالية البغيضة!.. أما النقطة الثانية المتعلقة بالخبرة التكنولوجية اوTechnologyTransfer فقد نجحت الصين في أن تجعل من أرضها مناطق جاذبة للاستثمارات الاجنبية, بمعني انها وفرت العمالة المدربة الجاهزة والرخيصة والمواد الخام الغنية بها البلاد.. ويسرت من الإجراءات الجمركية والروتينية الاخري والقوانين التجاربة ونظم التقاضي حتي تمكنت من اجتذاب نحو600 مليار دولار استثمارات اجنبية مباشرة في عام2010! وهكذا نقلت كثير من الشركات الكبري في العالم مصانع إنتاجها الاساسية الي الصين.. في الوقت الذي فشلنا فيه ان نكون قاعدة صناعية لدول حوض البحر المتوسط وافريقيا والشرق الاوسط! والنقطة الاخري هي دور الصينيين في الخارج في نقل التكنولوجيا الي الوطن الأم.. وهي نقطة في غاية الاهمية كما فعلت اليابان في بداية القرن ال19 وأرسلت وفود الساموراي للتعليم في أوروبا وأمريكا وكانت الصين مع ثورة دينج شياو بنج في عام1978 قد أرسلت آلاف الشباب الي الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان لطلب العلم.. وكان لهؤلاء دور رئيس في النقلة التكنولوجية والصناعية التي شهدتها الصين يكفي ان نذكر ان عدد الطلاب الصينيين الذين يدرسون في جامعات امريكا يزيد علي141 ألف طالب اي نحو18% من إجمالي عدد الطلاب الاجانب في امريكا في حين لا يصل عدد الطلاب العرب الي700 طالب! كل الأمل ان يضع الدكتور مرسي, وهو رجل علم.. أستاذ في الهندسة, قبل ان يصبح سياسيا ورئيسا, مصر علي اولي خطوات التقدم التكنولوجي والحضاري وألا نعود من جديد إلي الدوران في حلقة مفرغة بعد30 عاما لنسأل أنفسنا من جديد.. ماهي الدروس التي يمكن أن نتعلمها من تجربة بوركينا فاسو في التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والحضاري؟ العناصر