بات الحديث عن حل سياسى للأزمة الدائرة فى سوريا حتميا، خاصةً بعد تنامى ظاهرة الإرهاب فى وطننا العربى عامةً ومنطقة المشرق العربى خاصةً، والذى لعبت فيه أطراف غربية أدواراً شكلت من خلالها تهديدات خطيرة على الأمن القومى العربي. فعلى الرغم من مرور ما يقرب من ثمانى سنوات على تلك الأزمة، التى بدأت فى شكل مظاهرات سياسية سلمية، فيما سمى آنذاك بثورات الربيع العربي، فإن الوضع فى سوريا سرعان ما تحول إلى صراعات مسلحة، بظهور جماعات أطلقت على نفسها العديد من المسميات، وتداخلت وتشابكت حينها أطراف عديدة فى الأزمة بسرعة شديدة، عكست توجهات أيديولوجية وسياسية مناوئة للرئيس بشار الأسد تارة، ومنفذةً لمخطط تقسيم الوطن العربى تارة أخرى. فى تلك الأثناء، اتخذت جامعة الدول العربية قراراً يقضى بتعليق مشاركة الوفود السورية فى اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتباراً من يوم 16 نوفمبر 2011 وإلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التى وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية – وفقاً لنص القرار - والتى اعتمدها المجلس فى اجتماعه بتاريخ 2 نوفمبر 2011. والقرار كان بتاريخ الثانى عشر من الشهر نفسه، أى بعد مرور عشرة أيام فقط من خطة العمل آنفة الذكر. وتم تشكيل بعثة مراقبين عرب للذهاب إلى سوريا وإعداد تقارير مفصلة حول مجريات الأمور على أرض الواقع، من حيث العمليات العسكرية الدائرة والأزمات الإنسانية، حيث عين رئيسا لهذا الفريق وقتها اللواء مصطفى الدابى من دولة السودان، وقامت البعثة بتحرى الدقة وأعدت تقريرا للأمانة العامة للجامعة، حملت فيه الطرفين : الأسد ومن كانوا يعرفون ب«المعارضة المعتدلة» مسئولية تردى الأوضاع، وقد حذر «الدابي» فى تقريره من أن ثمة أزمة إنسانية أخرى ستتفاقم بفعل التهجير ونقص المؤن والأدوية. كما جاء فى مضمونه بطريقة غير مباشرة إشارة الى قناة الجزيرة القطرية من أنها تؤجج الموقف وبدونها يمكن حل الأزمة قبل تفاقمها. لكن التقرير قابلته دعوة قطرية لعقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول العربية، تقدمت فيه الدوحة بمشروع للتدخل العسكرى فى سوريا، الأمر الذى سبق الاطلاع على تقرير رئيس بعثة المراقبين، ورغم رفض الدول الأعضاء المقترح القطري، فإن قرار تعليق عضوية سوريا كان بمثابة نقطة تحول فى تاريخ الجامعة. فقد اعتراه العديد من الشبهات منذ بداياته، حيث اتخذ بالأكثرية وليس – كما ينص ميثاق الجامعة - بالإجماع، وهو أمر كان يستحيل تحقيقه فى ظل الموقف الرافض له من كل من لبنان والعراق والجزائر. وفى الوقت الذى كانت تحاك فيه للأمة العربية مؤامرات دولية كبرى، بغية خلق نظام جغرافى جديد، قائم على أسس طائفية، هادف فى نهايته إلى تقسيم الدول العربية لوحدات سياسية متناحرة مجتمعياً مجزئة جغرافياً، دخلت الأزمة السورية نفقا مظلما، من خلال تصعيد المطالب السياسية للمعارضة السورية فى أنقرةوالدوحة، بضرورة التدخل العسكرى فى سوريا، كما طالبوا بتسليمهم مقعد الدولة الشاغر، الذى شغلته الدولة السورية منذ أن وقعت ضمن الدول السبع على بروتوكول الإسكندرية فى عام 1944 الذى شهد تأسيس الجامعة العربية، فألقت تلك الأزمة بظلالها على أعمال القمة العربية وقتها، ففى الوقت الذى تسرعت فيه المعارضة السورية بإعلان عن أنها ستتسلم مقعد سوريا فى الجامعة العربية وستحضر القمة ممثلة عن الشعب السورى استناداً إلى الدعم القطرى وانطلاقاً من بند فى قرار الجامعة سالف الذكر من دعوة جميع أطراف المعارضة السورية للاجتماع فى مقر الجامعة العربية للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية المقبلة فى سوريا، وأن ينظر المجلس فى نتائج أعمال هذا الاجتماع ويقرر ما يراه مناسبا بشأن الاعتراف ب«المعارضة السورية». لكن لم يتفق العرب وقتها على تسليم المقعد ل«المعارضة» التى عرفت وقتها بالائتلاف، كون تسليمه يمثل مشكلة قانونية نظراً لعدم وجود حكومة للائتلاف معترف بها أو وزارة خارجية تتولى استلام الهيئة التنفيذية الدبلوماسية، وأقصى ما استطاع فعله النظام القطرى وقتها هو أن يلقى رئيس الائتلاف وبعض المعارضين السوريين كلمة الافتتاح فى القمة. المفارقة أن منظمة الأممالمتحدة لم تأخذ قراراً كهذا فى حق الوفد السورى لديها، بل أبقت عليه متحدثاُ ومشاركاً كدولة عضو فى هيئاتها، وفقاً للوائحها المنظمة والموقع عليها، والموقف المصرى – فترة حكم الجماعة الإرهابية – كان مشابهاً فى تعاطيه مع الأزمة مع الموقف القطرى - من المقطم إلى الدوحة، حيث وقتها أعلن عن قطع العلاقات مع سوريا، ودعوة الجماعة ل«الجهاد» هناك، الأمر الذى زاد الموقف تعقيداً. لكن سرعان ما استطاع الشعب المصرى أن يعصف بتلك المؤامرات التخريبية وأن يقوم بثورة الثلاثين من يونيو وإفشال المخططات الدولية لتقسيم المنطقة العربية، فكان لذلك انعكاس إيجابى على الأزمة السورية، لتبدأ بعدها عدد من الدول العربية الالتفاف حول مصر من جديد وتطلب منها حل الأزمات العربية. وزير الخارجية سامح شكرى جدد اهتمام القاهرة بالمشاركة فى الأطر السياسية التى تعزز الخروج من الأزمة السياسية فى سوريا، وقال فى حديث إعلامى أجراه فى القاهرة قبيل مشاركته فى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لموسكو من أن مصر تأمل فى أن تعود سوريا للجامعة العربية عندما يتم الانتهاء من الصراع وتحقيق إرادة الشعب السوري، ليفتح بحديثه باباً كان مغلقاً منذ سنوات ويطرح التساؤلات من إمكانية أن تطرح القاهرة مبادرة عربية لتسوية هذا الملف وعودة سوريا لمظلة العرب، خاصة بعد ما تكشف أن من سعى لقرار تعليق المشاركة وهو الدوحة داعمة للإرهاب.