«عزيزى الأخ عبده؛ هذه صورة المذكرة التى قدمتها أمس لوزير الحربية، لرفعها للسيد الرئيس أنور السادات، لأن هذا بعض حقك، وأعتقد أن معركة العلم على وشك أن تنتهي، أرجو التوفيق فى عبورك القادم بجوارى إلى فلسطينالمحتلة، لكنى أسألك سؤالا؛ هل كل ما فعلته طيلة حياتك يساوى لحظة وقوفك على أرض سيناء الطاهرة لأول مرة؟». الرسالة السابقة بتوقيع العميد إبراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 قتال بتاريخ 12 أغسطس 1971،. ارسلها الى الصحفى عبده مباشر الكاتب والمؤرخ العسكري، والذى كان عضوا بصفته المدنية مقاتلا فى صفوف المجموعة 39 قتال، ووصل فيها إلى درجة رائد مكلف، ومنحه الرئيس السادات نوط الشجاعة العسكري، والرسالة من كتابه الجديد (إبراهيم الرفاعي) لخص حياة الرفاعى فى ثلاث كلمات؛ ولد وقاتل واستشهد، واعتبره تجسيدا للمقاتل المصرى الوطني، عمل مباشر تحت قيادة الرفاعى فى المجموعة 39 التى لم تعترف باحتلال سيناء فى حرب 1967، وبسبب عملياتها لم يذق العدو الإسرائيلى طعم النصر وبفضل هجماتها المتلاحقة لم يغب الجيش المصرى عن مسرح العمليات رغم هزيمته، وبسبب الخسائر الفادحة التى تكبدها الاحتلال خلال حرب الاستنزاف اهتزت نظرية الغرور الإسرائيلي، وهو المعنى الذى عبر عنه الرئيس السيسى فى كلمته إلى الشعب المصرى بمناسبة ذكرى مرور 45 سنة على انتصار أكتوبر؛ التى حيا فيها الرئيس جمال عبد الناصر وأبطال حرب الاستنزاف قبل تحيته أبطال العبور العظيم وشجاعة الرئيس السادات صاحب قرار الحرب والسلام. ولمن يريد أن يعرف لماذا أنجزنا العبور فى حرب أكتوبر 1973 فليدرس حالة الرفاعى وروح التحدى التى كانت سائدة فى كل قطاعات العمل المدنية والعسكرية رغم احتلال سيناء ونقص الإمكانات والقوى الخارجية التى كانت تتربص، والداخلية التى تتطوع بنشر اليأس عقب الهزيمة، والرفاعى الذى عاش شبابه فى شلة الكوربة بمصر الجديدة لم يضع وقته على المقاهى أو الملاهى ورقصة الكيكى، لكنه تعلم وقرأ تاريخ مصر، وتزوج وصار رب أسرة وأولاد والتحق بالجيش ونفذ مئات العمليات الفدائية فى سيناء ضابطا ومقاتلا وقائدا بين جنوده يرسم الخطط ويلقم المقذوفات للرماة بنفسه، وقبل كل ذلك لم يكن ممن ينتظرون التكليف، بل كان دائما يخلق المهام الموجعة للعدو وينفذها، كان الرفاعى وأمثاله على يقين بأنه إذا استشهد فإن المجتمع المتعاون الذى ضحى لأجله سيرعى أسرته من بعده كما رعاه وعالجه وعلمه مجانا، وأيقن أن القدوة والعمل المشرف الذى يتركه لأولاده فى دولة حرة قوية خير من أن يترك لهم القصور والملايين فى مجتمع مفكك ومهزوم! وإذا كنا نريد أن نتعلم أسباب النصر فلندرس حالات الانتماء التى جسدها المقاتلون على مر الزمان من الرفاعى وطلبة رضوان وعبد العاطى 1973، وكما جسدها المدنيون عبده الصحفى وعبده الفران وعبده النجار والسائق والطبيب والممرض الذين تطوعوا للعمل فى صفوف الجيش بعد نكسة 1967، فعبر المجتمع كل موانع الهزيمة ،إلى أبطال (سيناء 2018) أمثال أبانوب صابر جرجس وأحمد صابر منسى صاحب صيحة «يانجيب حقهم يا نموت زيهم»، شهداء ملحمة الشيخ زويد. يحكى عبده مباشر فى كتابه، قصة عشق الرفاعى لقتال الأعداء، وبطولته فى حرب 1956 ببورسعيد ومن ميدان القتال إلى كتائب الصاعقة ورئيس عمليات فى حرب اليمن، ولعب دورا فى إفشال الانقلاب على شرعية عبد الناصر، وفى 7 يونيو1967 كان الجيش ينسحب بأمر شفهى غير مدروس من الشرق إلى الغرب، والرفاعى ومجموعته يعبرون من الغرب إلى الشرق لإنقاذ الجيش المصرى من إبادة يتقدم لتنفيذها لواء مدرع اسرائيلى عند الممرات، فتمكنت مجموعة الرفاعى من نشر الألغام فى طريقه وعمل ستارة دفاعية وتكبيد العدو خسائر فادحة وتعطيله حتى أكمل عشرات الآلاف من جنودنا انسحابهم، وبسبب عمليات الرفاعى بنسف مواقع الذخيرة وآبار البترول وتدمير تحصينات العدو فى حرب الاستنزاف استعاد الجيش المصرى ثقته بنفسه واندحر إحساس الجيش الإسرائيلى بالأمن والغرور. والطريف أنه عند اندلاع الحرب الشاملة للعبور فى أكتوبر 1973 أخطأت إدارة العمليات بعدم تكليف المجموعة 39 قتال بأى مهام فى المعركة، وعندما أخبر الرفاعى الفريق أول أحمد إسماعيل بهذا النسيان طلب منه اقتراح مهمته، فقدم له الرفاعى فورا خرائط لأهداف ومنشآت للعدو وقواعد صواريخ وآبار البترول، واستمر فى القتال، وأثناء تدمير المعبر الذى أقامه شارون فى ثغرة الدفرسوار يوم 19 أكتوبر استشهد الرفاعى وهو يسمع النداء لصلاة الجمعة اليتيمة من رمضان عند قرية المحسمة. سألت عبده مباشر عن خطاب الرفاعى اليه وسؤاله عن مشاعره حين عبر إلى سيناء بعد احتلالها بأيام فقال: صليت ركعتى شكر ثم شعرت بالألم والمهانة؛ لأننا نتسلل فى الظلام لأرضنا بينما الحرامى الصهيونى يتصرف وقتها بغرور كصاحب بيت!. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف