في الوقت الذي يتصايح فيه بعض المفكرين والمثقفين العرب بدعوات التغريب والفرنجة ويزعمون أن البقاء خلف أسوار اللغة العربية هو أحد أسباب التخلف والعجز عن مجاراة العصر ترتفع إسرائيل عاما بعد عام بحجم الاعتمادات في الموازنة المالية الدولية لتلبية استحقاقات تعميم اللغة العبرية في المدارس والجامعات. وعلي مدي السنوات الأخيرة تجاوز الاهتمام الإسرائيلي باللغة العبرية حدود النظر إليها علي أنها لغة التوراة والأدب والتراث العبري القديم لكي تصبح لغة الحديث الأساسية في الشارع وبهذا تجاوزت اللغة العبرية النطاق الذي عاشت فيه قرونا كلغة تقليدية فقدت حياتها- علي حد تعبير ديفيد بن جوريون- لتلعب الآن دور اللغة القومية لليهود وأداة لتعميق الانتماء والولاء لإسرائيل. ورغم أن غالبية اليهود الذين قدموا إلي إسرائيل من مختلف دول العالم لم يكونوا يتكلمون العبرية وحتي الذين كانوا يتحدثون بأحد مشتقاتها اليديش لم يكونوا يقرأونها ولايكتبونها وإنما توارثوا النطق بها, فإن الوضع قد تغير تماما الآن. وكعادة ومنهج الإسرائيليين في التعامل مع الأمور فإنهم أدخلوا اللغة العبرية- في المدارس- بالتدريج حيث كان هناك في البداية صراع بين أنصار العبرية وبين أنصار الإبقاء علي التدريس باللغات الأجنبية والذين كانت حجتهم مماثلة لحجة دعاة التغريب والفرنجة في العالم العربي الآن بأن الكتب والمؤلفات والمراجع غير متوافرة إلا باللغات الأجنبية لكن مؤتمر المعلمين اليهود قرر استعمال اللغة العبرية في جميع الموضوعات علي أساس أن الحاجة هي التي تخلق الكتب والمراجع المطلوبة وأن بعضا من الجهد في ترجمة الكتب الأجنبية إلي اللغة العبرية سيحقق الحلم القومي للدولة اليهودية. وتحت شعار أن اللغة هي الأمة والأمة هي اللغة ولا حياة للأمة بغير لغة تحولت اللغة العبرية من لغة قديمة وميتة إلي لغة حية تتردد علي الألسنة ويستعملها الإسرائيليون في الكتابة والمحادثة. والحقيقة أن هذا الاهتمام الإسرائيلي بتعميم اللغة العبرية تحت لافتة العبرنة الشاملة للدولة اليهودية هو إحدي علامات الرغبة في تثبيت الشخصية الذاتية لإسرائيل وسط هذا المحيط العربي في ظل اعتقاد مبكر بأن الغزو العسكري سوف يبطل مفعوله بمرور الزمن وأن الذي سيبقي هو مدي قدرة إسرائيل علي الاحتفاظ بقوة ثقافية وقوة اقتصادية. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: صحا الشرق وإنجاب الكري عن عيونه.. وليس لمن رام الكواكب مضجع! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله