لا يكاد يخلو إعلان طلب موظفين أو البحث عن فرص عمل فى صحيفة ورقية أو على مواقع الانترنت من عبارة إجادة التعامل مع الكمبيوتر أو الانترنت أو بمعنى أدق أن يكون المتقدم للحصول على الوظيفة حاملا بالإضافة لشهادة محو الأمية الهجائية شهادة محو أمية الكمبيوتر وأحيانا يطلب أصحاب العمل ممن وصلتهم أخبار الأمية الرقمية من المتقدم للوظيفة ما يثبت أنه من تخلص من أميته الرقمية ..وأذكر أن عددا من المؤسسات والهيئات المهمة ومن بينها مؤسسة «الأهرام» نفسها أعدت قبل سنوات دورة خاصة، كان الحصول على شهادتها يترجم لمكافأة شهرية يفوز بها الحاصل عليها إضافة لتحسين فرصه فى الترقى و الوصول للمناصب القيادية. الخلاصة أن التطور التكنولوجى الذى أسفر عن منتجات عالية التقنية ومفاهيم جديدة ، من قبيل الأمية الرقمية والمواطن الرقمى والفجوة الرقمية وغيرها من المفاهيم التى تطرقنا إليها فى هذه السلسلة من المقالات أدى لظهور بيئة مجتمعية مختلفة لها آلياتها ومتطلباتها. ولعل من ابرز المظاهر المحسوسة لهذه البيئة التحول فى وسائل التواصل بين الافراد والجماعات، فتقلص البريد الورقى لمصلحة الالكترونى وكادت المكالمات التليفونية تتلاشى فى ظل تطبيقات الواتس آب والتغريدات و الانستجرام وغيرها ، واستمرأ عدد لا باس به من الناس خاصة من غير المهاجرين للعصر الرقمى عملية التسوق عبر تطبيقات الانترنت لتحل محل الخروج للأسواق والمطاعم و حتى السينمات والمسارح والمنتديات بعد أن أصبح الوصول لبث حى مباشر لا يتطلب أكثر من الضغط على بضعة أزرار.. والحقيقة أن التطور الجديد تعددت جوانبه وامتد أثره لكل مناحى الحياة حتى على مستوى الحياة الشخصية وبيئة العمل والتعليم ، فرغم أنه أيضا سهل التواصل و قدم حلولا غير مألوفة من قبيل إجراء الاجتماعات أو التعلم عن بعد أو مراجعة الدروس جماعيا والتواصل مع المعلم عن بعد، فإنه أوجد نوعية جديدة من المشكلات لا يمكن مجابهتها إلا بثقافة جديدة للتعامل مع المستجدات سواء على المستوى الشخصى أو العام بمنظور مختلف يتوافق مع هذه المجتمعات الجديدة. فعلى مستوى العلاقات الاجتماعية أكدت بحوث اجتماعية عدة فى الشرق والغرب، أن الأدوات التى اخترعها الإنسان لتسهل التواصل والعثور على رفاق الصبا فى بلاد الله تحولت على أيدينا لوسيلة تكاد تفوق سحر «هاروت وماروت» للتفريق بين المرء وزوجه ولإفساد العلاقات بين الناس ،فالواتس آب الذى الغى المسافات وحقق إمكانية التواصل عن بعد على مدي24 ساعة عقد العلاقات، فأعلن المحامى الإيطالى جيان اتورى جاسانى رئيس الجمعية الإيطالية لمحامين قضايا الزواج أن رسائل الواتس اب أصبحت سببا فى 40% من حالات الطلاق الإيطالية حيث تعد دليلا على الخيانة الزوجية! وتوضح خبيرة العلاقات الأسرية جولى سبيرا أن العلاقات التى تنشأ على الانترنت تعوض الإنسان عما يفتقده فى واقعه ولكن استخدام هذه التقنيات فى أغراض تقليدية كالتسلية مثلا يحولها لكارثة، فإدمان التحديق فى تطبيقات الهاتف المحمول يؤدى للتوتر بسبب ترقب وتوقع ردود فورية على الرسائل وقد يستثير فى النفس شكوكا إذ ما تم إساءة تفسير محادثة أو تداول صور شخصية بعد تحريفها. وعندما تتحول العلاقة بين البشر لمطاردة يشعر أطرافها أنهم مراقبون طوال الوقت وأن المعارف والأصدقاء يعدون عليهم أنفاسهم ، تتملكهم الرغبة فى الهروب من علاقات الواقع بتبعاتها المزعجة لعلاقات الفضاء الافتراضي. كذلك كان لاستخدام التقنيات التكنولوجيا المتطورة فى سياق منظومات فكرية وممارسات تقليدية تداعياته السلبية فى قطاعات التعليم والقطاعات الخدمية، إذ أدى لعدم الاستفادة من إمكاناتها بالكامل وبناء مواطن رقمى قادر على التكيف مع معطيات العصر. وللحديث بقية لمزيد من مقالات سناء صليحة