«يوم الدين» للمخرج الشاب أبو بكر شوقى أحد الافلام المهمة التى ظهرت فى الاعوام الأخيرة نظرا لما حققه من حالة إنسانية رائعة وبقدر تناول موضوعه لعدد من القضايا بجرأة تتسم بالذكاء كانت الإشادات فالفيلم شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائى فى مايو الماضى ليكون المخرج الثالث عالميا الذى يشارك بعمل أول فى هذه المسابقة بعد ستيفن سبيلبرج والمجرى لازالو نيميس ثم شارك فى مسابقة مهرجان «الجونة» ونال ومخرجه عددا من الجوائز منها جائزة أفضل فيلم عربى وجائزة الجمهور لسينما من أجل الانسانية. وبعيدا عن الجوائز يظل الفيلم حالة إنسانية رغم خلوه من أى نجوم وهذا فى حد ذاته انتصار للموضوع فى مواجهة السوق السينمائية التجارية المعتمدة على النجوم بعيدا عن الاهتمام بتقديم افكار ومواضيع ذات بعد إنسانى واخلاقى. التقينا مخرج الفيلم «أبو بكر شوقى» وكان معه هذا الحوار: أنت خريج الجامعة الأمريكية ودرست فى الولاياتالمتحدة وجزء من ثقافتك نمساوى فما الذى جعلك تذهب للفقراء ومرضى الجزام؟ حرصت عائلتى على تربيتى على ألا تكون عينى مقفولة ، فوالدتى النمساوية التى تعيش فى مصر منذ 40 عاما وتتحدث العربية شجعتنى، وجدى النمساوى كان دائما يقول لى: لا تنس بداياتك مهما حققت من نجاح، ووالدى طبيب ناجح دائم التشجيع لى ولا أنسى أبدا لقاء العائلة يوم الأربعاء فأنا مصرى وأعشق هذا البلد. من من النجوم رفض فكرة الفيلم ؟ يضحك .. لن استطيع ان اقول لك من رفض ولكن أقدر أقول كانت هناك صعوبات كثيرة حتى خرج الفيلم الى النور من عدم وجود تمويل، وفكرة الفيلم عن مرض الجزام صعب ان تجعل منها فيلما يشاهده الجمهور، ورغم الاحباطات كان عندى اصرار على ان استمر لانى ادرك اننى أمام تحد كبير وهو تقديم فيلم ضد المفاهيم التى يعرفها الناس سواء عن بطله او موضوعه. لكن من رفض الفيلم؟ الحمد لله انه فيه كثيرون رفضوه لأن البدائل كانت افضل، وانا مؤمن بمقولة «ما منعك الا ليعطيك» وكل من شاركوا فى الفيلم رغم عدم نجوميتهم وعدم خبرتهم فإنهم اعطونى اداء متميزا والحمد لله.. كل حاجة سلبية حصلت فى الفيلم كان وراءها خير وحكمة لمصلحة الفيلم. اشعر انك متدين؟ انا مؤمن ان الله له حكمة فى كل شيء وان الله هو الخير ودائما اقول. الحمد لله. أنت أقرب الى الصوفية؟ لست متصوفا.انا مؤمن بالله وما يهمنى ان الناس تكون جيدة، بعضها مع بعض، إنسانيا ، والناس تسألنى لماذا بطل الفيلم مسيحى وانت ابو بكر, انا بالنسبة لى هذا لا يهم لأن من سيحاسبنا هو الله وحده. وانا احاسبك فقط على طريقة تعاملك معى. «ما منعك الا ليعطيك».. هل يمكن تطبيقها على ما حصل من فيلمك؟ أعلم ان سكة السينما طويلة وتحتاج لنفس طويل ولابد ان تمر على مراحل كثيرة حتى تتاح لك فرصة.. انا درست فى الجامعة الامريكية ثم معهد السينما وكان من السهل أن أشتغل بالطريقة التقليدية واعمل مساعد اخراج الى ان تأتى فرصة ولكنى سافرت لاستكمال دراسة السينما فى كلية تيش للفنون فى جامعة نيويورك رغم ادراكى ان الاخراج ليس بالشهادات فإما مخرجا جيدا وإما لا وإنما الشهادة والدراسة فى امريكا جعلتنى افتح عينى على افكار اخرى ومنحتنى فرصاً كبيرة فى ان اعمل افلاما قصيرة سيئة وهذه التجربة افادتنى فى اننى تدربت جيدا لانه »مافيش حد بيصحى الصبح بيقول انا مخرج جبار.. يضحك: حتى شكسبير مؤكد اول اعماله لم تكن عظيمة فمن الضرورى الكاتب يتدرب كثيرا وفى صناعة السينما اذا اتت فرصة للمخرج ولم يحقق بها ما يطمح المنتج إليه تكون فرصة عمله صعبة بعد ذلك ومن هنا اقول اننى فشلت فى افلام كثيرة لكى اصل الى «يوم الدين» متى شعرت بالاحباط فى اثناء التصوير؟ عندما كنا نصور فى احد الاماكن وبعد ان اتفقت مع رجل فاقد القدمين وقمت بتدريبه فوجئت به يوم التصوير يقول لى انه لن يأتى وهذا احبطنى وجاء اهل المنطقة وقالوا لى انهم يعرفون رجلا فاقد قدميه وقابلته وطلب قراءة السيناريو حتى لا يكون هناك استغلال وبعد قراءة مشهدين وافق على الفور إنه ياسر العيوطى.. هذا الرجل كان «حاجة حلوة» وكلهم فى الحقيقة اسعدونى. هل الفشل قادك الى النجاح الكبير فى «يوم الدين»؟ الحمد لله الناس ترى أن «يوم الدين» حقق نجاحا كبيرا رغم انه اول عمل ولكنهم لا يعرفون ان لى اكثر من 14 سنة أحاول أتعلم وأدرس وأعمل افلاما فاشلة ، واعتقد أن الانسان لو لم يفشل فى حياته فلن ينجح، المهم جدا بعد الفشل كيف تعود بإصرار وتحد وعزيمة ان تكمل وتحقق حلمك. هل النجاح الذى حققه «يوم الدين» من مشاركة فى مهرجان «كان» وحصوله على جوائز من مهرجان «الجونة» وطلب مهرجانات كثيرة عرضه أعطاك ثقة ؟ الحمد لله .. ولكن النجاح الكبير تأتى معه ضغوطات اخرى اكبر ، وماحدث اكد لى اننا كفريق عمل «كنا صح» وان النظرية التى عملنا بها كانت صحيحة رغم مخاطرة الفيلم والفكرة وحتى اسم الفيلم الذى حاول البعض تغييره حتى آخر لحظة والرقابة لم تعترض، «ولكن فيه ناس قالوا ازاى تعمل اسقاطات دينية وحاجات كده، وانا اقول لهم لازم تشاهدوا الفيلم فليس له دخل بالدين وانما قصة انسانية ومن هنا شعرت ان المجازفة والمخاطرة نجحت». شاهدت الفيلم وأرى أنه عن مصر وأحوالها وليس عن مرض الجزام وحده.. هل تتفق معى فى الرأى؟ هو فيلم عنا .. كنت اريد أن اقدم صورة بطريقة مختلفة ، انا عارف ان احنا حساسين وعندنا فوبيا من فكرة تشويه صورة مصر والحقيقة هذا الكلام يضايقنى لأننى احب بلدى ومصريتى فوق كل شيء وانا ذهبت إلى «كان» باسم مصر واشارك فى كل مكان باسم وطنى وهذا شرف كبير ومن خلال تربيتى وحرص اهلى على ان اعرف كل شيء عن بلدى ، وانا سعيت ان اقدم فيلماً عن مصر بطريقة مختلفة واستغرب من الخوف المستمر من فكرة تشويه صورة مصر مع ان الفيلم اليابانى الذى حصل على سعفة «كان» لم يجعل اليابانيين يقولون انه شوه صورة اليابان وإنه اظهرهم انهم لصوص ولا الايطاليون قالوا إن الفيلم يظهر الايطاليين على انهم فقراء ولصوص. (فى اثناء الحوار دخل علينا النجم خالد الصاوى وهنأ أبا بكر على فيلمه وقال له انت مخرج مشرف). ثم اكمل ابو بكر حديثه: من سيشاهد الفيلم سيرى مصر بطريقة مختلفة وتناولى مرض الجزام ليس تعميما او ان عمل البطل فى القمامة له معنى اخر، «احنا مطلعين أماكن محدش صورها من قبل اما حلوة وطبيعية ومحدش شاف مصر من اتجاه الصعيد وصورنا هرم ميدوم والناس سألونى فين الهرم ده قلت موجود فى بنى سويف ومصر ليست القاهرة واحنا فعلا بلد كبير جدا وفيه تنوع كبير و سمعت مرة مقولة حلوة هى ان مصر مستنية حد يصورها» وهناك مقولة للأديب نجيب محفوظ تقول إن وطن المرء ليس مكان ولادته ولكنه المكان الذى تنتهى فيه كل محاولاته للهروب. وانا احب مصر وعايشها بحلوها ومرها. فى رأيك لماذا يتخوف البعض من الأعمال التى تحصل على تمويل أجنبى؟ اعتقد أن هذا يرجع فى نظريتنا الى ان العالم يريد تشويهنا وهذا مفهوم خاطئ «محدش» فاضى لينا وهذا الامر لا يشغلنى طالما واثق من انتمائى وحبى لبلدى وانا اريد أن اعمل افلاما بطريقتى من غير تدخلات وضغوطات واعتقد انى استطعت أن اقنع الناس انى عملت فيلما اقنعهم ولو عرضت عليهم فكرة غريبة هذا يسهل الانتاج». هل «يوم الدين» شعارك وهو الدفاع عن القضايا الانسانية ؟ اعتقد ان اى فيلم فكرته انسانية من الافلام القوية التى تجذب المشاهدة فى مكان فى العالم فانا اتمنى ان الافلام المصرية يكون لها وجود فى كل العالم. وهل فيلم يوم الدين حقق ذلك ؟ الحمد لله، فعندما عرض الفيلم فى مسابقة مهرجان «كان» استقبل استقبالا كبيرا وايضا فى مهرجان الجونة. هل عرض الفيلم فى مهرجان «كان» يسهل دخولك المنافسة على الاوسكار؟ يعطينا ثقلا أكبر لأن عرضه فى مهرجان كبير يعطى ثقة والفترة المقبلة نحتاج الى حملة دعاية كبيرة لأن المنافسة على الاوسكار شديدة للغاية. هل يهمك النجاح الجماهيرى؟ اتمنى أن لا ينسينى النجاح ان أسير وسط الناس وأن يكون هدفى تقديم اعمال يشاهدها الجمهور بعيدا عن تصنيف «هذا فيلم جماهيرى أو مهرجانات» فالفيلم فيلم يصنع للناس واتمنى أن تكون كل افلامنا المصرية حلوة. * رسالة أمل فيلم «يوم الدين» تدور أحداِثه حول بشاى وهو رجل شفى من مرض الجزام ولكنه مازال يحمل آثار المرض بجسده ويعيش فى مستعمرة لم يغادرها يوما .. وبعد وفاة زوجته يقرر بشاى ان ينطلق فى رحلة فى قلب مصر بحثا عن جذوره فيغادر على حماره بصحبة اوباما الصبى النوبى اليتيم الذى يرفض مفارقته اينما ذهب ويكتشفا سويا الحياة بكل ما فيها ويبحثان عن الانتماء والانسانية. وفى مقدمة كتالوج الفيلم كتب المخرج شرحا لعنوان «يوم الدين» ومما جاء فيه: «على الرغم من أن فيلم يوم الدين لا يتناول الدين بشكل عام إلا أنه يظل جزءا لا يتجزأ من حياة الناس ، فى يوم الدين ووفقا لما يؤمن به الناس سيتساوى الجميع وتتم محاسبتهم على أفعالهم وليس مظهرهم وهو ما يركز عليه الفيلم وكأنه رسالة لكل منبوذ لا يجد له مكانا فى المجتمع ويتطلع لذلك اليوم الذى سيتساوى فيه مع من هم أفضل منه مظهرا أو حالا بصرف النظر عن مستوى تدين الناس فى مصر ، فإن فكرة فيلم «يوم الدين» تعد مصدر راحة وأمل بالنسبة لهم وحافزا يساعدهم على أن يعيشوا أيامهم ببعض التفاؤل» .