تعيش الصحافة الورقية في عالمنا العربي أزمة غير مسبوقة تهدد صمود العديد من المؤسسات الإعلامية فى وجه الثورة الرقمية والتحول نحو ما بات يعرف بالإعلام الجديد أو البديل. وتفاقمت تلك الأزمة في الفترة الأخيرة بسبب تزامن عوامل عدّة منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو متعلق بإدارة المؤسسات ونظام ملكيتها، بالإضافة الي عزوف القارىء عن شراء الجريدة المطبوعة والإكتفاء بمتابعتها علي الشبكة العنكبوتية، مع ابتعاد المعلنين وارتفاع القيمة الشرائية للمواد المصنعة للمطبوعة، كل ذلك جعل من التحديات التي تواجه الصحافة الورقية معضلة تبحث لها عن حل وإن طال أمد استمرارها بالشكل الذي هو عليه – وهو الاتفاق الضمني بين صناع المهنة في عالمنا الحالي من أن الصحافة المطبوعة قد تمرض لكنها لن تموت، لكن عليها تطوير الأداء والإخراج وتناول الموضوعات بشكل أكثر عمقاً وجاذبية من الوسائط الإلكترونية. ففى بلد مثل لبنان عرف الطباعة والصحافة منذ القرن الثامن عشر، واتسم بأنه مركز الثقل في الصحافة العربية، يعاني الآن أزمة وجود حقيقية للجرائد الورقية وهي واحدة من أشد الأزمات في تاريخها والتي تهدد بقاء مؤسساتها، فبعد خبر غلق جريدة السفير في مارس 2016 والذي اختصر أزمة الصحافة اللبنانية – آنذاك – تبعها الإثنين الماضي - غلق دار الصياد والتي تأسست في عام 1943، ويصدر عنها عدد من المطبوعات الهامة للقاريء العربي مثل الصياد» (1943)، «الشبكة» (1956)، «الأنوار» (1959)، «الدفاع العربي» (1975)، «فيروز» (1980)، وغيرها. وفضلا عن نمطية ملكية تلك المؤسسات الصحفية لبعض العائلات، قياسا مع تأثيرها وتأثرها بالتغيرات السياسية الطارئة في محيطها، لتظهر بوضوح في عام 2015، بعد أن اتخذت صحيفتا «النهار» و»المستقبل» قراراً بإلغاء إصدار الملحق الثقافي الأسبوعي الذي تصدره كل منهما، فتوقف ملحق النهار وملحق نوافذ الصادر عن المستقبل رغم أن الأرقام قبل هذا العام كانت تشير إلى تزايد في عدد قراء الملاحق وتراجع قراءة الأخبار في الصحف الورقية بشكل افتراضي ملحوظ، لكن بسبب نمط تمويل الصحف في لبنان وضعف الإيرادات من الإعلانات والتوزيع والإشتراكات بالإضافة الي إرتفاع تكلفة الطباعة والأحبار، فقد تضطر الصحف للإغلاق أو تقليل الورق المطبوع. ومن المشرق العربي إلى مغربه وهو بطبيعة الحال ليس في أحسن حالاته فقد أظهرت أرقام مكتب مراقبة توزيع الصحف في المغرب للعام المنصرم تراجعاً كبيراً لمبيعات الصحف الورقية في المملكة، حيث خسرت اليوميات والأسبوعيات آلاف النسخ من مبيعاتها، مقارنة بالعام قبله، فصحيفة «الأخبار»، التي تتصدر اليوميات الأكثر مبيعا في المغرب، لم يتجاوز عدد مبيعاتها خلال سنة 2017 سقف 37.320 نسخة، فاقدة بذلك ما يربو على 8 آلاف نسخة دفعة واحدة مقارنة مع السنة الماضية، و18 ألف نسخة مقارنة مع عدد مبيعاتها سنة 2015. كما شهدت مبيعات جريدة «الصباح»، والتي تحتل المرتبة الثانية ضمن قائمة الصحف الورقية الأكثر مبيعا في المغرب، تراجعا مهما، إذ تقلص عدد النسخ التي باعتها خلال سنة 2017 إلى 28.928 نسخة فقط، حسب أرقام مكتب مراقبة توزيع الصحف. أما في الخليج العربي فقد نجحت الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية في الصمود أمام الثورات التكنولوجية، معتمدة بذلك على تطوير سوق الإعلانات ومستوى القدرة الشرائية وفقاً للتوزيع الجغرافي للمطبوعة، رغم أن التحول الرقمي الكُلي للصحف الخليجية مستقبلاً قد يمكنها من توفير مصاريف الطباعة والتوزيع، التي تأخذ حيزاً من موازنتها السنوية خاصة وأن نسب استخدام مواقع التواصل الإجتماعي في دول الخليج تؤكد أن التحول الرقمي للمحتوى، سواء في هيئة بوابات إلكترونية للصحف، أو تطبيقات على الأجهزة الذكية، أصبح حتميا، خاصة وأن استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الخليج في ازدياد بإختلاف كل منصة أو موقع من دولة إلى أخرى. ووفقاً للإحصائيات المبدئية فإن شركة فيسبوك تحظى بالنصيب الأكبر من الاستخدام في المنطقة بنسبة 75% لكن تويتر هو المنصة الأكثر جذباً للصحف بنسبة 88% وفقاً لمؤشر الإعلام الرقمي الذي تم إنشاؤه لتوثيق الاتجاهات الحديثة التي تطرأ في صناعة الأخبار في دول مجلس التعاون الخليجي ومراقبة تطورها.