من الذين تمنيت أن أحتفل بعيد ميلاده المئوي بعد أن رتبت له احتفالا ببلوغه التاسعة والتسعين المهندس محمد كمال إسماعيل المهندس المعماري الذي أشرف خلال عمله في الحكومة المصرية قبل ثورة1952 علي إقامة مباني مصلحة التليفونات بشارع رمسيس ومصلحة الشهر العقاري ودار القضاء العالي بشارع26 يوليو, ومن يلاحظ يجد أنه استخدم في تصميمها الأعمدة الضخمة التي استوحاها كما قال لي من المعابد الفرعونية وأشهرها معبد الكرنك. أما آخر أعماله في مصر قبل الثورة فكان مبني مجمع التحرير الذي جمع عددا كبيرا من المصالح الحكومية في مبني واحد للتسهيل علي المواطنين. وقد انفرد مبني مجمع التحرير عن كل المباني حوله بأنه أخذ شكل الهلال, وهذه الشكل الهلالي هو الذي جعل مبني المجمع يعطي المساحة أمامه شكل الميدان لأن جميع المباني الأخري من مختلف النواحي أقيمت علي أساس أنها تطل علي شارع. لكن أهم أعمال كمال إسماعيل بلا شك والتي يعاصرها ملايين المسلمين الذين يقيمون شعائر الحج والعمرة, هذه التوسعات علي المساحات الضخمة غير المسبوقة التي أمر بها الملك فهد خادم الحرمين رحمه الله في الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وكلف المهندس كمال إسماعيل للإشراف عليها. وكان قد وصل إليه أن كمال إسماعيل أشرف علي ترميمات معظم المساجد الكبيرة الأثرية في مصر, ومن بين مخلفات كمال إسماعيل مجموعة من المجلدات الثمينة التي عرضها علي في حياته عن هذه المساجد لعل أسرته تهديها لدار الوثائق والمكتبات أو لمكتبة الإسكندرية للحفاظ عليها كثروة هندسية. توسعات الحرمين في مكة والمدينة أما توسعة الحرمين التي قام بها إسماعيل فقد أضافت50 ألف متر مربع إلي الحرم المكي و90 ألف متر مربع إلي الحرم النبوي الذي كانت كل مساحته14 ألف متر, بالإضافة إلي إدخال التكييف المركزي والمظلات والقباب والنظام الصوتي المتناغم في كل مكان بالحرمين والأرضيات التي تستخدم نوعا من الرخام الخاص الذي تم جلبه من أحد البلاد وله خاصية إعطاء من يسير عليه في الشمس الإحساس بالتكييف. كما تضمن المشروع جراجا تحت الأرض يتسع لخمسة آلاف سيارة وغير ذلك من العمليات التي يسرت علي الملايين من زوار الحرمين الشريفين. واكثر ما يفخر به كمال اسماعيل تلك القباب المتحركة التي حافظت علي تناغم سقف الحرم الجديد مع القديم والمظلات المتحركة التي تغطي الصحون الموجودة في الحرم النبوي, وقد استوحي فكرتها عندما كان يزور احد الاصدقاء الالمان في المانيا وجلس معه في حديقته, واذا بصديقه يفتح مظلة مختلفة في شكلها عن كل المظلات المعروفة.. وكان سؤالا وتقصيا استدل منه علي المصنع الذي قام بعد ذلك بتصنيع المظلات التي يراها زائر الحرم. ولكن ذلك لم يكن سوي عملية واحدة من سلسلة من العمليات الهندسية علي اعلي مستوي كيف احتفلت بعيده ال99 والدكتور كمال إسماعيل من مواليد15 سبتمبر1908 وقد تزوج في سن متأخرة بعد الخمسين وتوفيت زوجته بعد سنوات من الاستقرار أنجبت له إبنا واحدا. وفي ليلة بلوغه السنة ال99 في سبتمبر2007 فاجأت المهندس كمال إسماعيل( زوجتي وأنا) بزيارته ليلا في مسكنه في العمارة التي يسكنها منير عبد النور والقريبة جدا من عمارة والده أمين الذي وصل إلي سن المائة يوم24 يوليو الماضي. كنت قد أبلغته تليفونيا أننا سنمر عليه ونصحبه في مشوار قصير فارتدي بدلته وأمسك عصاه وصحبنا ولكن في مشوار طويل إلي البيت الريفي للصديق الدكتور ابراهيم أبو الفتوح في شبرامنت. وكان قد دعانا ليلتها علي السحور وقد أبلغته قبول الدعوة لكنني لم أبلغه أنني سأصحب معي الدكتور كمال إسماعيل للاحتفاء بعيد ميلاده وسط المجموعة المدعوة في تلك الليلة عند إبراهيم. كنا في شهر رمضان وكانت المجموعة تجلس في حديقة البيت عندما دخلت عليهم متأبطا ذراع المهندس كمال إسماعيل الذي ظل يحدثنا طوال الطريق, معلنا لهم بطريقة خطابية أنني سمحت لنفسي أن أصحب رجلا سيسعدهم ويشرفهم أن يتعرفوا عليه وهو فلان الذي عددت أعماله العظيمة, ثم إنتهيت إلي أنه يصل هذه الليلة إلي سن ال99 وأنه غدا سيضع قدمه في السنة المئة. صفق الحاضرون بشدة ووجدت المهندس كمال إسماعيل ينحني بطريقة يوسف وهبي الباشواتية علي المسرح. وكان من أكثر الذين احتفوا بالرجل الذي أحس بالسعادة الوزيران في ذلك الوقت الدكتور مفيد شهاب والدكتور علي مصيلحي. وقد انطلق الدكتور إسماعيل في حديث طويل مع د. مفيد شهاب تناولا فيه ذكريات باريس التي درسا فيها والصديق المشترك بينهما د. وحيد رأفت. وانتهت الليلة في ساعة متأخرة كان الدكتور إسماعيل خلالها في قمة السعادة ولم تصدر منه أي شكوي سواء من السهر أو التعب يسجل عشر حلقات تليفزيونية وبعد أيام اتصل بي الزميل محمد بركات صاحب برامج الحوارات المعروفة في قناة إقرأ وقد ساعدته علي أن يسجل مع الدكتور كمال إسماعيل عشر حلقات كاملة عن توسعات الحرمين تحدث خلالها بذكريات متدفقة وأرقام سليمة. وقد أغراني ذلك علي أن أعد إحتفالا كبيرا ببلوغه سن المائة ورحت أفكر كيف يكون مبتكرا ومن أدعوه ومن يتحدث عنه وفي الأيام الأخيرة شغلني موضوع الاحتفال بعيد الدكتور المئوي وكيف يمكن أن يكون مبتكرا ومن يمكن أن أدعوه, وقد إستقر رأيي علي دعوة أربعة تجاوزوا التسعين كان منهم أمين فخري عبد النور وبطرس غالي. واستقر التفكير علي عدم إجهاد الجميع بالذهاب إلي استوديو أي قناة فضائية علي أساس أن تأتي إليه أكثر من قناة في نادي العاصمة.. وكانت هناك أسئلة كثيرة لم يعد لأي منها إجابة. فقد تدهور حال المهندس كمال إسماعيل بسرعة ويبدو أن هذه صفة السن الكبيرة وقبل أسبوعين من بلوغه المائة انتقل إلي رحمة الله, ذهب إلي رحاب من لا يموت ولا عمر له. المزيد من أعمدة صلاح منتصر