دون اتفاق مسبق.. ودون أن يقصدا.. وبعيدا عن كاميرات الفضائيات أو فلاشات مصورى الصحف.. ودون أن يجلسا خلف مايك مزروع على منصة فى أحد فنادق النجوم الخمسة يعزفان نغمة الوحدة الوطنية وعنصرى الأمة.. قدما حياتهما قربانا لأمن المجتمع.. واجها تلك المحاولات المحمومة لزرع الفتنة!. بيشوى وأحمد طفلان لم يتجاوزا سن الرابعة عشرة.. لم يعد فرزهما بعد من خلال البطاقة الشخصية بين قبطى ومسلم, عاشا معا فى شبرا المظلات, دون أن يتوقفا أمام أن أحمد لا يلحق بيشوى فى قداس الكنيسة يوم الأحد.. أو أن بيشوى لا يجاور أحمد فى صلاة الجمعة.. وعندما حانت لحظة الفراق لم يتردد بيشوى فى مد يده إلى أخيه أحمد لينقذه من الغرق فى مياه النيل. ولم يتوقف عند أن اسمه أحمد وليس جرجس ولم يبال بأن ساعده يخلو من وشم الصليب.. غير أنهما وللأسف الشديد غاصا معا ورحلا!. بيشوى وأحمد صورة لملايين المصريين عاشوا معا عبر عشرات المئات من السنوات.. إخوة ربط بينهم أذان المسجد وأجراس الكنيسة. تقاسموا الحلم.. تحملوا الانكسارات.. انتشوا بالانتصارات.. توحدوا فى مواجهة كل ما يهدد أمن الوطن واخترقت صدور مئات منهم رصاصات العدو فى ملحمة أكتوبر.. ولم تفرق بينهم دانات المدافع مثلما لم يفرق بينهم أذان المسجد أو أجراس الكنيسة!. جميعا مصريون وهذا يكفي.. نتعامل مع بقال أو سوبر ماركت واحد..نعانى المشاكل نفسها.. نحلم بحياة أفضل.. ننشد دخلا يصمد أمام غول الأسعار أكثر من عشرة أيام فى الشهر.. لا تفرق بيننا مشاهد كليبات بعض أقسام الشرطة.. ولم تختر نيران قطار الصعيد مسلما لتترك القبطى أو العكس.. ولم يشرخ زلزال92 جدران كنيسة ليعفى حائط مسجد.. جميعا ننتظر مياها للشرب أعلنت مقاطعتها لمنازلنا.. ونترقب تراجع الكهرباء عن قرارها بالهجرة.. وباختصار نعيش واقعا لا يفرق بين عزيز ومحمد!. كنا هكذا عشرات المئات من السنين إلى أن خرج علينا البعض بتعبير سخيف «الوحدة الوطنية» فى الوقت الذى ينصب فيه معنى الوحدة على كيانين وليس واحدا كما نحن.. وصك آخر تعبير أسخف: عنصرا الأمة بينما نحن عنصر واحد فكلنا مصريون.. وبعد أن كنا مجتمعا, على مدى أجيال عديدة, لا يستطيع أحد أن يحدد ديانة الآخر من مجرد اسمه قبل أن ينظر فى خانة الديانة بالبطاقة الشخصية أصبحنا نجيد التفرقة من مجرد سماع الاسم.. فلنواجه أنفسنا ونعترف بأن هناك احتقانا قد سرى فى علاقاتنا.. ولنعد إلى ما كنا عليه: كل عام وأنت بخير سواء فى عيد القيامة المجيد أو عيد الفطر المبارك.. ولنتوقف فورا عن ذلك المشهد الساذج الذى نراه فى أى مناسبة عامة على شاشات التليفزيون عندما يحتضن قس أحد الشيوخ وكأنهما يقدمان اسكتش حمص وحلاوة!. هذه السطور نشرتها فى جريدة الأهرام يوم 25 أغسطس قبل 11 عاما وتحديد فى عام 2007 فى وقت لم تنجح فيه «العنصرية الدينية البغيضة » فى تشويه شباب مصر وإعادة فرزهم بين مسلم ومسيحى. على نقيض هذا المشهد وقعت أحداث تنم عن عنصرية حمقاء لتفرق بين أبناء الوطن الواحد وكان آخرها ما تعرض له مسيحيو قرية دمشاو هاشم من هجوم غبى من جانب بعض المتطرفين لمنعهم من الصلاة وعبادة ربنا سبحانه وتعالى بزعم أنهم يصلون فى مكان دون ترخيص كما لو كانت عبادة الله سبحانه وتعالى فى حاجة إلى ترخيص. وإذا كنا نواجه الآن فى سيناء الحبيبة إرهابا« على وشك أن ينتهى تماما» فنحن نواجه محاولات اشعال فتنة بيننا أشد ضراوة من ذلك الإرهاب ،إذ إن زعماء المتطرفين بالمنيا لم يكتفوا بما ارتكبوه من جرائم ضد بنى جلدتهم هناك بل سارعوا إلى نشر صورة ادعوا أنها للواء حسين قاسم محافظ المنيا الجديد وهو يصلى فى مكتبه كما ولو كان يستهدف إثارة الإخوة المسيحيين بعد تلك الأحداث المؤسفة والحقيقة أنها صورة قديمة للمحافظ السابق عصام البديوى .. ولا أدرى لماذا اُلتقطت له هذه الصورة كما لو كان حريصا على إثبات صحة علاقته بالله سبحانه وتعالى..! أحداث المنيا المؤسفة جاءت قبيل أيام قليلة من احتفال مصر بكل من السنة الهجرية والقبطية فى آن واحد كما لو كان التقويم يثبت أننا شعب واحد لا يفرق بين أبنائه.. الأمر لا يستلزم جلسات عرفية للمصالحة التى تعد بالفعل وأداً للقانون.. أو تدخل بيت العائلة لإتمام الصلح ولا تثمر إلا هروب الجناة من قبضة القانون..أو احتضان شيخ لقس وما فى القلب يظل عالقا به.. إنما تطبيق حازم للقانون وعقاب صارم لهؤلاء المتطرفين دائمى الاعتداء على مصلين مسالمين يقفون بين يد الله سبحانه وتعالى ويستهدفون رضاءه حتى ولم يكن معهم تصريح.. ولك يا مصر ولأبنائك مسلمين ومسيحيين دوما السلامة. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش