جاء الملتقي العالمي الأول لشباب الأقباط، الذي شهده عدد من محافظات مصر قبل أيام (من 25 أغسطس إلي 1 سبتمبر 2018) ليمثل جسرا جديدا بين مصر وأبنائها في بلاد المهجر، وذلك من خلال المئات من الشباب الذين شاركوا في العديد من جلساته ولقاءاته. وقد حضر الملتقي لفيف من الوزراء وكبار رجال الدولة، وشهد عددا من الزيارات الميدانية قام بها الشباب لعدد من المشروعات القومية العملاقة والمزارات السياحية والدينية. وقد توج نشاط الملتقي بلقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان بمثابة طاقة الأمل والنور أمام الشباب. فكرة الملتقي وأهدافه البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أوضح ل«الأهرام» فكرة هذا الملتقي وكيف جاء.. فقال: تعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية واحدة من أقدم الكنائس الرسولية في العالم، إذ تمتد جذورها في التاريخ، وذكرت في نبوات العهد القديم (أشعياء19) ، كما احتضنت مصر العائلة المقدسة عندما هربت من هيرودس الملك (متي2)، ثم جاء القديس مارمرقس الرسول الإنجيلي ليؤسس كرسي الإسكندرية، ويصير أول بطريرك لها، ويستشهد علي أرض الإسكندرية عام 68م، ولذلك يحمل الأب البطريرك القبطي لقب بابا الأقباط وبابا الإسكندرية، وعبر القرون امتدت الكنيسة القبطية في مصر وخارجها بالكرازة والتعليم والرعاية والخدمة والتعمير. وأشار البابا إلي أنه بحلول منتصف القرن العشرين، ولأسباب اقتصادية واجتماعية وشخصية، بدأت بعض الأسر القبطية في الهجرة إلي بلاد وقارات كثيرة، حيث عاش الجيل الأول منهم وصاروا مواطنين صالحين ومؤثرين في تلك الدول، ولكن تبقي جذورهم في مصر. وكانت بدايات تأسيس كنائس قبطية خارج مصر (وبعد امتدادها الجغرافي إلي أورشليم القدس وإلي السودان) بالترتيب الزمني كالتالي: الكويت(1961) - كندا (1964) - أمريكا (1968) - أستراليا (1969) - إنجلترا (1971).. وكان ذلك كله في حبرية القديس البابا كيرلس السادس (1959-1971). ثم في حبرية البابا شنودة الثالث (1971-2012) امتد انتشار وتأسيس الكنائس في مناطق كثيرة في العالم شرقا وغربا، حتي صار لنا حاليا مئات الكنائس والأديرة والكليات اللاهوتية والمدارس وآلاف من الأجيال المتتالية عبر الزمن. وبمناسبة مرور نصف قرن علي وجود كنائسنا القبطية، ومع تأسيس الإيبارشيات حتي صار لنا أكثر من ثلاثين إيبارشية خارج مصر، ومع سيامة أول أسقف قبطي من أبناء الجيل الثاني الذين ولدوا علي أرض المهجر (نيافة الأنبا كيرلس الأسقف العام في إيبارشية لوس انجلوس بأمريكا)، نشأت فكرة هذا الأسبوع العالمي للشباب القبطي الأرثوذكسي علي أرض مصر. وفي شهر نوفمبر 2017 قدمت البطريركية مائتي دعوة للشباب والشابات من كل الإيبارشيات خارج مصر مع مشاركة عدد من شبابنا في مصر، للتمتع بمصر التاريخ والحاضر والمستقبل، وفي حضن الكنيسة الوطنية الأم. الشعار.. «العودة إلي الجذور» كان شعار هذا الأسبوع الأول من نوعه هو «العودة إلي الجذور back to roots» حيث وضعت ثلاثة محاور لكل الفاعليات تدور حول كلمة «فرح Joy» وحرف «J» الحرف الأول من «JESUS» أي إيماننا الأقدس . وحرف «O» وهو الحرف الثاني من «COPTIC»، وهو يرمز إلي كنيستنا المقدسة عبر العالم كله، ثم حرف «Y» وهو الحرف الثالث من «EGYPT» ويرمز إلي نهر النيل. ولخص البابا أهداف الملتقي، وهي التعارف والترابط والتواصل بين شباب قبطي من القارات الخمس، بالإضافة إلي تبادل الخبرات والاهتمامات الكنسية والروحية شرقا وغربا، والتعرف بصورة متكاملة علي مصر وكنيستها وحاضرها، والمشاركة في احتفالات الكنيسة الأم بعدة مناسبات مهمة خلال عام 2018، ومقابلة بعض الرموز الكنسية والمصرية في مجالات متعددة والحوار معهم، وقد قامت عدة شركات مصرية برعاية الملتقي من خلال التسهيلات التي قدمتها وفي مقدمتها شركة مصر للطيران وغيرها. و استطرد البابا أنه قد بدأ فريق كبير من الآباء والخدام والخادمات الإعداد لهذا الملتقي منذ عدة شهور، حيث استضافهم المقر البابوي في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وقاموا بعدة زيارات ثقافية وتعليمية وسياحية وأثرية، كما كانت هناك فرصة لوفد من الشباب يمثل القارات الخمس بمقابلة السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي. وقال البابا: نأمل بمشيئة الله أن يتكرر هذا الملتقي كل فترة بهدف التواصل والترابط المستمر بين كنائسنا المصرية في مشارق الأرض ومغاربها وبين الكنيسة الأم في مصر، مما يدعم حياة شبابنا بالكنوز الروحية الذاخرة في تاريخنا وحاضرنا، وفي الوقت نفسه تقديم صورة إيجابية عن مصر ونهضتها الحديثة وشعبها الأصيل، وليصير هؤلاء الشباب سفراء حقيقيين معبرين عن عظمة مصر وشعبها . ملتقي ناجح بكل المقاييس من ناحيته، أكد الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس أن الملتقي ناجح بكل المقاييس، لأنه تم الإعداد له جيدا قبل انعقاده بفترة طويلة، وشارك في تنفيذه نحو خمسين خادما غير القادة، قدموا صورة طيبة عن مصر لمائتي شاب وفتاة من 30 إيبارشية من 20 دولة من قارات العالم الخمس، بمتوسط أربعة شباب من كل إيبارشيه، واستمر أسبوعا. وأشار إلي أن بعض اللقاءات كانت في مبني لوجوس بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون مع زيارة معالم مصرية ودينية، مثل قناة السويس، ومكتبة الإسكندرية ودير مار مينا. والتقي الشباب في حفل بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بثلاثة وزراء (السياحة والآثار والشباب)، كما استقبلهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي طمأنهم علي مصر وعلي مستقبلها. وشدد الأنبا دانيال علي أن لقاء الرئيس كان له مردود خاص شديد الإيجابية في نفوس الشباب، لأن الرئيس تعامل معهم كسفراء لمصر في كل أنحاء العالم، وأوضح لهم أن مصر تتقدم، وأن الأمور ستستقر خلال سنوات قليلة. وأوضح الأنبا دانيال أن أهمية هذا الملتقي كبيرة لأنه طمأن شباب الأقباط في الداخل وفي المهجر علي مصر وأحوالها وعلي الكنيسة وحملهم رسائل غير مباشرة لبلادهم عن استقرار مصر. توثيق العلاقة مع شباب المهجر أما الدكتور مصطفي الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، فقال ل«الأهرام»: إن زيارة وفد الشباب المصري القبطي القادم من الخارج إلي وطنه، والذي تشرف باستقبال الرئيس السيسي له في حضور قداسة البابا تواضروس، هو حدث له أهمية خاصة من حيث تشكيله وتوقيت حضوره واللقاءات التي عقدها، وقد جاءت زيارة هذا الوفد لمكتبة الإسكندرية كحدث متميز تعتز به المكتبة التي تري أن هذا الوفد يمثل الأصالة الجديدة من أبنائنا في الخارج ، ولقد كان حضوره إلي المكتبة التي تمثل قلعة للثقافة والتراث والإبداع كمؤسسة عالمية كبري علي أرض مصر بمثابة نوع من توثيق العلاقة الوطيدة بين شباب الأقباط في المهجر ووطنهم الأم بمؤسساته المختلفة وفي مقدمتها مكتبة الإسكندرية. وأكد الفقي أن عائد الزيارة كان واضحا علي وجوه الشباب من شعور بالفخر والاعتزاز ورغبة في التواصل الدائم مع مؤسسات الوطن . أما القمص بولس حليم، المتحدث الإعلامي باسم الكنيسة فقد قال: هذه هي أول مرة في التاريخ الحديث يجتمع شباب الكنيسة القبطية من بقاع مختلفة في مكان واحد بهدف واحد وروح واحدة، مما كان له الأثر في تجديد انتمائهم للكنيسة والوطن، وقد قالوا: »لم نبن فقط الأهرام.. بل بنينا قناة السويس الآن». وهؤلاء الشباب سيكونون سفراء للوطن والكنيسة شاهدين علي تجربة ومعايشة حقيقية عن روعة تاريخهم وتطورهم ، وقد أعطي البابا تواضروس لهم نموذجا في القيادة، حيث استمع لهم ولاقتراحاتهم وأحاطهم برعاية جعلتهم يرونه أبا لهم. القس رافائيل ثروت، كاهن كنيسة مارمينا بفم الخليج ومنسق الملتقي العالمي الأول لشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال ل«الأهرام»: هذا اللقاء كان حلما في رأس قداسة البابا تواضروس منذ توليه البطريركية في نوفمبر 2012 بأن يجمع شباب الكنيسة من كل الإيبارشيات من مصر والخارج، وقد تحقق الحلم في 2018 وتحققت أهدافه (العودة إلي الجذور) .