رغم أن الإسم المدون فى دفاتر البلدية القديمة للشارع هو “النبى دانيال “ إلا أن المُستقر فى وجدان وعقل المواطن السكندرى أن الشارع هو شارع الثقافة بالمدينه بتكوينه وتاريخه وخاصة الجزء الممتد من شارع فؤاد وحتى محطة مصر الذى يضم عشرات المكتبات التى تبيع الكتب القديمة والتى لن يتصور أحد أن كنوز المعرفة والعلم وأغلى أنواع الكتب عالمياً قد تقع بين يديك مصادفة وأنت تقلب بين الكتب الرخيصة الموضوعة بإهمال أمام كل مكتبة بطول الشارع ، وللأسف لايفطن الى هذه الحقيقة إلا القارىء الصبور المحب للكتاب والمتخصص الباحث عن كتب معينة . وهذا الجزء من الشارع يحتاج الى نظرة متأنية وواعية لتحويلة الى سوق تراثى للكتب النادرة أسوة بهذه الأسواق الموجودة فى باريس على ضفاف نهر “ السين “ . ويقول أحمد عبدالفتاح أشهر قارىء والزائر الدائم لهذا السوق أن بداية السوق كانت فى خمسينيات القرن الماضى حينما قام أحد الباعة يقوم بعرض بضاعته من مجلات اللطائف المصورة التى كانت تتصدر أغلفتها صور توت عنخ أمون باللون الأخضر وكان صدورها يتواكب وفترة تلك الأكتشافات على سور المركز الفرنسى لتبدأ بعدها تجارة الكتب والمجلات فى هذا الشارع ولكنها إنتقلت الى الجانب الأخر بالقرب من من بقايا السور التاريخى لطابية كوم الدكة والمسرح الرومانى . ويضيف عبدالفتاح أن تلك المكتبات تبيع طبعات مختلفة من الكتب الغربية مما أسهم فى فترة من الفترات فى صنع مثقفى المدينة ، وتبدأ أسعارالكتب بجنيه واحد ، ومن الممكن أن تعثر على كتب لفلسفة بلاد الآغريق وأبن رشد وكتب الطب والمجالات العلمية والثقافية المختلفة ، ومجلة الرسالة لمحمد حسن الزيات مختلطة بآخر ساعة للتابعى والكل بقروش أو جنيهات قليلة ، والجدير بالذكر أن الشارع يضم بين جوانبه مبنى المركز الثقافى الفرنسى الذى يتخرج منه طلبة أسعد حالاً لوجود كتب الثقافة الفرنسية فى الأدب والفن والحياه بأسعار رمزية وهى لاتتوافر بسهولة على نهر السين كما تتوافر طبعات لفيكتور هيجو وديماس بأسعار أقل من مثيلاتها بباريس بعشرات المرات ويحصل باعة الكتب على بضاعتهم فى الغالب من مكتبات مواطنى المدينة الخاصة الذين يرحلون فيقوم الورثة بالتخلص من الكتب ببيعها لتلك المكتبات .. وكل مكتبة تختلف عن الأخرى غير أنه يجمعها عنصر مشترك واحد هو إحتواؤهم على كنوز الكتب . ويقول مازن نورالدين أستاذ القانون الجنائى بالجامعة الإسلامية بفلسطين جئت إلى هنا بالنبى دنيال لمعرفتى بأهمية كنوز المعرفة التى تباع بين جوانب هذا الحى الثقافى الهائل فأنا باحث بين القديم والحديث من أمهات كتب القانون خاصة القيم منها والذى يتسم بتوسع الكتابة وتفسير كتب فقهية عملاقة من القديم مع كتب حديثة مبسطة أستطيع من خلالهما المزج بينهما وأستخرج منهما مؤلفات خاصة بى فى القانون الجنائى ، وهذا السوق المصرى للكتاب به خيرات من الكتب لا يوجد مثلها بالدول العربية أو حتى الدول الأوروبية فى شتى جوانب الثقافة وبأقل الأسعار على المستوى العالمى . وأضاف نور الدين أنه يبعث رسالة للباحثين بالوطن العربى بضرورة النزول لمصر والبحث عن الكتب النادرة بين طيات مكتبات هذا السوق الشعبى وسيجدون كثيراً من الكنوز فى شتى العلوم سواء القانونية أو الأدبية أوالعلمية واللغات حتى الرسالات العلمية النادرة متوفرة ، فسوق النبى دنيال للكتاب ثرى أكثر من أى مكتبة عالمية والباحث بتلك المكتبات سيجد الكتب المفقودة والنادرة، ولكنى أناشد الجهات الرسمية المصرية بالحفاظ على هذا السوق والعمل على تطويره وتدريب الباعة من خلال دورات تدريبية بكيفية عرض الكتاب وأهميته ليكون هذا الحى قبلة للباحثين عن الكتاب من كل الدول، ولابد من أن يكون هناك قانون لتلك التجارة يعمل على تنظيمها والدعاية لها من خلال شبكات التواصل . ومن ناحية أخرى يقول شيخ بائعى الكتب الحاج حسين محمد «أنا من معالم شارع النبى دنيال فأنى أعمل بالمجال منذ 1956 وكان الأجانب زمان يعملون بتلك التجارة وقد إختلف رواد الكتاب فزمان كان عدد السكان20 مليون وكان الكتاب هو الصديق وكان هناك نهم ووعى للقراءة ، فقارىء زمان كان ثرى الفكر وأنا كنت أمياً ودخلت محو الأمية وأصبحت الآن أجيد اللغات فالكتاب هو الذى غير مجرى حياتى ، وعن أهم رواد سوق النبى دنيال قال «زمان كان أشهرهم توفيق الحكيم والآن القارىء العربى هو الأكثر تواجداً وأيضاً أساتذة الجامعات والباحثين والطلبة. ويضيف الحاج حسين «أن الباعة لم يسلموا من بطش القرارات والتهديدات من قبل المصنفات بوزارة الداخلية فقد جاءت حملة من المصنفات بالقاهرة لإزالة أكشاك الكتب ومازلنا فى المحاكم حتى الان ونناشد المحافظ والجهات المعنية بالتدخل للحفاظ على ذاكرة مصر الثقافية. فهل تستجيب المحافظة لطلبات عم حسين ويتم عمل منظومة لهؤلاء الباعة تحفظ حقوقهم وأدميتهم وتحفظ للشارع تاريخه وتمنع تعديات بعض أصحاب المكتبات على حرم الشارع وفى نفس الوقت تضع الشارع على خريطة الثقافة العالمية .