أكد علماء الدين أن الله تبارك وتعالي شرع العبادات تهذيبا للنفوس, وتواصلا بين العباد وخالقهم, وإعلاء لقيم الأخلاق والفضائل التي نحن في أشد الحاجة إليها طوال العام وليس في رمضان فقط كما يفعل كثير ممن غفلوا عن حكمة عبادة الصيام التي ربطها الله بالتقوي حتي ننال الرحمة والمغفرة والعتق من النار. وطالب علماء الدين باستمرار تلك التجليات الإيمانية ومداومة الصلاة والطاعات وهجر الذنوب والبعد عن كل ما يغضب الله طوال أيام العام, والمداومة علي الصلاة وقراءة القرآن والصدقة وصلة الأرحام. وأكد علماء الدين أن شهر رمضان المبارك يشكل دورة تدريبية سنوية لتجديد وحدة الأمة الإسلامية, وتقوية العزائم وصفاء النفوس والسمو بالأرواح, وإمداد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر علي الطاعة واجتناب المعاصي والإنتاج والعمل طوال العام. في البداية يذكرنا الدكتور نصر فريد واصل, مفتي مصر الأسبق, إلي قول النبي صلي الله عليه وسلم أحب الأعمال إلي الله أدومها وان قل ويقول: يجب علي من ذاق حلاوة الطاعة في هذا الشهر الكريم,أن يستمر عليها وأن يجتهد فيها طوال العام, بل وأن يكون في زيادة وليس في نقصان وقد قال السلف رضي الله عنهم زمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ومن استوي أمسه وغده فهو مغبون ومن كان أمسه خيرا من غده فالنار أولي به وعلي المسلم ألا يتوقف بعد انتهاء رمضان عن إصلاح نفسه وتهذيبها وتحسين علاقته مع الله ومع الناس,بل يجب أن يستمر هذا بعد انقضاء شهر رمضان,فرب رمضان,هو رب شوال,وهو رب المحرم, وهو رب الشهور كلها, وما رمضان إلا محطة وقود يتزود منها العبد لباقي الشهور, فلا تكن من عباد رمضان,ولكن كن من عباد الله عز وجل,فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان شهر يولي وينقضي,ومن كان يعبد الله فإن الله حي باق لا يموت, ورب رمضان هو رب كل الشهور والأزمنة المضطلع علي كل صغيرة وكبيرة في كل الأزمنة والأمكنة ومن صبر عما يحل من الطعام في الصيام وثبت عن مجافاة كل طعام حرام في الصيام وفي غير الصيام ومن ضبط شهوته طواعية في الصيام أمسك بحزم عن أي فعل من أفعال اللئام. فإذا كان الصيام قد ضبط شهوة البطن والفرج بتدريبه شهرا كاملا علي ذلك فلا أقل من أن نعيد التدريب ولو بصيام يومين من كل أسبوع الاثنين والخميس أو حتي علي الأقل الأيام الثلاثة القمرية من كل شهر عربي ليثبت بإذن الله علي ذلك, ومن أقلع عن الذنوب والآثام والغيبة والنميمة وشهادة الزور وكثرة الكلام في شهر الصيام سهل عليه أن يضبط نفسه طوال العام ومن تصالح مع خصومه وهجر الخصام وصالح جيرانه وأحسن معهم الفعل والكلام فلا أقل من أن يلزم نفسه ذلك الخلق الرفيع بقية العام حتي يصبح له ذلك خلقا ومن تاب وأناب وصدق مع الله وتقرب إليه بالنوافل حتي أصبح عابدا ناسكا في رمضان لا يرضي لنفسه أبدا أن يكون مبارزا لله بالمعاصي بعد رمضان. دورة تدريبية ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء, أن شهر الصيام يأتي كل عام حتي ينبه المسلمين, ويوجههم, ويذكرهم بما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية, فهو شهر الصبر, والأمانة, والعدالة, ووحدة الصف, فليس من فراغ أن يأتي شهر كامل, يفرض فيه الله الصيام علي المسلمين, ويسن الرسول صلي الله عليه وسلم قيامه, ويستشعر المسلمون ما فيه من معان جليلة, تتمثل في الأمانة, والعدالة, والوحدة, والشعور بالفقراء والمحتاجين, حتي يكون دورة تدريبية للمسلمين خلال شهر كامل, ليتعلموا فيه كيف يوحدون صفوفهم, وحتي يكونوا أمناء مع الله, حين يمسكون عن الطعام, والشراب, ويصومون, فلا يفطرون بخلوة, ودون أن يراهم أحد, لأن المسلمين يعلمون أن الواحد الأحد يراهم, ويطلع عليهم. ويضيف قائلا: إن الصيام يعلم المسلم الأمانة, والأمانة هي التي يمكن أن ينصلح بها حال الأمة, فإذا ضاعت الأمانة ضاعت الأمة, ولن يكون لبقائها معني, وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك حين سئل متي تكون الساعة, فقال:إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة, أي أن الأمانة بها تقوم الحياة, ويستقر الناس, وتنتظم أمور هذه الحياة, ومن هنا فيجب أن يكون ديدن المسلم طوال العام أمينا فيما بينه وبين الله, وبينه وبين نفسه, حتي لا يوردها موارد الهلاك, وأيضا أن يكون أمينا علي من ولاه الله أمرهم, وكذلك العمل المكلف به, والمال العام الذي يتعامل فيه, فرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم في توجيهه لذلك بين انه لا إيمان لمن لا أمانة له, ولا دين لمن لا عهد له, وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطي الأمة عبرا ودروسا في كيفية الحفاظ علي المال العام, والأمانة, حتي لا يهدر من ولي أمر المال العام, ولا يمد يده لسرقته, واغتصابه, وما يتصدع به اقتصاد الأمة, وما تمر به من مهازل, وأخطار من جراء التهاون, وذلك حينما طلبت منه زوجته أن يشتري لها الحلوي, فرفض, وقال مادام في المسلمين حاجة فلا تأكلوا الكماليات, حتي إنها ادخرت من مصروف بيتها الخاص بعض الدراهم, وجاءت إليه بعد حين, وقالت ها هي, فقال لها رضي الله عنه, من أين لك هذا؟. ويوضح الدكتور احمد عمر هاشم أن المسلمين إذا استطاعوا أن يحققوا الإيمان, وأن ينشروا العدالة في الأرض, فيستطيعون أن يحققوا النصر, ولن يفزعوا من وقتها من عدو يتربص بهم, ويحصد أفرادها, ويتسلط علي دولهم, ويسلب واحدا من مقدساتهم, وهو القدس في الأرض المحتلة, بل إن العدو أدار ظهره لكل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة, والمنظمات الدولية, ولم يعبأ بهم, وأخذ بسياسة البلطجة, والعربدة, وما تحركت الأمة, ولا تستطيع أن تتحرك, ولو أنها حققت الإيمان بالله لما احتاجت إلي كثير من القوة, أو العدد, أو العدة, لأن لهم من أسلافهم, ودروس رسولهم الكريم ما يؤكد أن النصر من عند الله العزيز الحكيم, وبأقل الأسباب, فحين يتحقق الإيمان يتحقق النصر, ألا يتذكر المسلمون يوم الفرقان, يوم التقي الجمعان, وكان العدو أكثر عددا, وعدة, فماذا كان في أيدي المسلمين من قوة, فما أشبه الليلة بالبارحة, أبناء الأرض المحتلة يواجهون دبابات النار ببعض الحجارة. تقوي طوال العام ويؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان, عضو هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية, أن رمضان لم يكن شهر العبادة فحسب, بل هو شهر تتجدد فيه الإرادة والعزيمة, وهو البداية لعام جديد نتقرب فيه إلي الله, وهذا لن يتأتي إلا بالمحافظة علي ما اكتسبناه خلال الشهر الكريم من التقوي, فهو فرصة وبداية للارتقاء بأخلاقنا طوال العام, خاصة في ظل الانهيار الأخلاقي الذي نعانيه, مما يجعلنا في أشد الحاجة لأن يكون هذا الشهر دائما معنا طوال العام, بعد أن تعود المسلم علي فعل الخيرات طوال شهر رمضان وكفه عن بعض ما اعتاده من مخالفات شرعيه, كالغيبة والكذب والتعدي علي الناس بالألفاظ الشائنة, فالإنسان المؤمن العاقل يجب أن يستمر علي ما يفعله في رمضان, ولا يتراجع عن خير قام به في رمضان من سلوك مستقيم. صلة الرحم وإذا كانت مظاهر صلة الأرحام والتواصل الأسري في شهر رمضان ضربت أروع الأمثلة علي قيمة الأسرة في الإسلام وتوطيد وتدعيم الروابط الاجتماعية وحماية الأسرة من التفكك والانهيار, وإذا كانت آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد دعت الي صلة الرحم ورغبت فيها, فإن علماء الدين يطالبون باستمرار تلك الصورة المشرقة التي تجلت في شهر رمضان, طوال العام, بعد أن غابت من حياة الكثير من المسلمين وظهرت أجيال قطعت كل حبال المودة مع من حولهم فانتشرت جرائم عقوق الوالدين والتفسخ الأسري وقطع صلة الأرحام, ويوضح الدكتور احمد عمر هاشم, أن من يصل رحمه له ثمرات عديدة في الدنيا والآخرة فأما التي في الدنيا فهي أن يبسط الله في رزقه ويبارك عمره حيث تحل البركة في وقته وجهده وعمله وما يكسبه من أموال بسبب التوفيق إلي الطاعة فيحبه الله ويحبه أهله ويبقي بعده الذرية الصالحة الذين يدعون لأبيهم بعد موته, وعلي كل زوج أن يتقي الله فليس من الفضل أو العشرة بالمعروف أن يستغل الرجل قوامته في أن يقطع صلة زوجته بأرحامها لان في هذه الصلة من البر والإحسان بالوالدين وهي مأمورة ببرهما والإحسان إليهما في حالة الصحة أو المرض لذا يكره أن يفعل الرجل ذلك, ويحذر الدكتور احمد عمر هاشم من تراجع صلة الرحم ويطالب بتربية الأبناء في منزل به قدوة تؤكد أهمية صلة الرحم خاصة بعد أن تحولت المدن إلي جزر معزولة لا يعرف أبناؤها أي شيء عن أصولهم. وأكد الدكتور عمر هاشم أن التواصل الأسري بعد شهر رمضان له اثر اكبر في نفوس المسلمين, حيث تتجلي مظاهر الفرحة بصلة الرحم, وتلك الحالة النفسية الايجابية التي يستشعرها الفرد,وسط تجمع العائلة, يكون لها المردود الايجابي علي الأبناء يتمثل في الإحساس بالتواصل تلك الأحاسيس التي يستشعرونها من الكبار فتنمو في نفوسهم الرغبة في التواصل مع باقي الأسرة والمجتمع, ويجب علي الآباء تحبيب الأبناء في أقاربهم وزيارتهم طوال العام, فالأسرة هي السياج الحامي للأبناء من الانحرافات حتي لا يظهر جيل لا يعرف حقوق الوالدين وصلة الرحم.