كثيرا ما سألت السؤال نفسه، حتى قبل أن أسافر إلى الصين وأتعرف على بعض من ثقافتها.. كيف توفر الحكومة المركزية الغذاء لمليار و415 مليون نفس؟ وكيف تحافظ على أسعار المواد الغذائية والسلع بحيث تكون فى متناول المواطن البسيط؟ ومن خلال زياراتى لأقاليم صينية متعددة ومختلفة الثراء والتقدم، ومتابعاتى المكثفة لسياسات الحكومة الصينية؛ أدركت أن القيادة الصينية تعى أن توفير الغذاء والسلع بأسعار فى المتناول يعد قضية أمن قومى، ويسهم فى استقرار وأمن الدولة، وأن أى خلل أو نقص أو ارتفاع فى الأسعار بشكل مبالغ فيه أو مفاجئ يحمل فى طياته عواقب وخيمة على الاستقرار الاجتماعى والأمنى. ومن هنا كان توفير الغذاء بأسعار مناسبة من أولويات الحكومة ربما منذ قيام جمهورية الصين عام 1949. فقد عرفت الحكومة المركزية أن الطعام يحتل مكانة رفيعة فى ثقافة الشعب الصينى، فمنحته أولوية قصوى، ويقول المثل الصينى «الشعب هو السماء بالنسبة للحاكم، والطعام هو السماء بالنسبة للشعب». وتدرك الحكومة جيدا قول كونفوشيوس إن «الطعام هو العنصر الأهم فى استقرار الدولة»! وخلال مسيرة التقدم والتطور الرائعة التى بدأتها الصين فى عهد «حكيمها» دينج شياو بينج عام 1979، كان التخلص من الفقر وتحسين مستويات معيشة الشعب هو الأولوية الأولى للإصلاح، حتى لا يتهدد الاستقرار الاجتماعى، فقد كانت الصين وفقا لتقديرات البنك الدولى واحدة من أفقر دول العالم عام 1978. ووفقا لأرقام مركز الصين الدولى للتخلص من الفقر IPRCC، فقد نجحت بكين فى تخليص أكثر من 850 مليون شخص من الفقر خلال الفترة من عام 1981 حتى 2013. النقطة الأكثر إضاءة فى تجربة الصين فى التخلص من الفقر هى الخطة المبهرة التى طرحها الرئيس «شى جين بينج»، وهى مفهوم «المعالجة الدقيقة للفقر»، والتى أدت إلى خفض أعداد الفقراء فى الريف من 99 مليون شخص عام 2013 إلى 43 مليونا عام 2016، وهو ما لفت نظر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، الذى قال: «إن نجاح الصين فى إخراج مئات الملايين من عتبة الفقر يعد نموذجا جيدا تتعلم منه الدول النامية». لمزيد من مقالات منصور أبو العزم