«حرب جديدة.. وصديق آخر ينضم إلى قائمة الأعداء»، هكذا ربما يمكن تلخيص حرب العقوبات التى أشعلها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرا مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان، بسبب استمرار احتجاز أنقرة للقس أندرو برانسون. ففى سبتمبر الماضي، وصف الرئيس ترامب نظيره التركى ب»الصديق»، وقال على هامش لقائهما خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك: «أعتقد الآن أننا أقرب إلى بعضنا من أى وقت مضي». إلا أن تصريحات ترامب سرعان ما ذهبت ككثير غيرها أدراج الرياح، وانقلب الرئيس الأمريكى على «صديقه»، متوعدا إياه بفرض أقسى العقوبات على بلاده، لترتفع حدة التوترات ما بين البلدين. وأعلن ترامب مطلع الشهر الحالى سلسلة عقوبات على أنقرة طالت وزيرى العدل والأمن الداخلى التركيين، إلى جانب مضاعفة الرسوم على واردات الولاياتالمتحدة من الصلب التركى إلى 50٪ والألومنيوم إلى 20٪، بدلا عن 25٪ و10٪ قبل القرار. لترد تركيا على العقوبات الأمريكية بالمثل. وفى ميزان المكاسب والخسائر من حرب العقوبات المتبادلة الجارية بين أمريكاوتركيا، يبدو ترامب سياسيا منتصرا فى المقام الأول وكالعادة لشعاره الانتخابى «أمريكا أولا». وتباهى الرئيس الأمريكى بقوة الدولار الأسبوع الماضي، بعد أن سجل أعلى مستوى له فى 14 شهرا مقابل العملات الأخري. وكتب ترامب على «تويتر» مدللا على قوة الاقتصاد الأمريكي: «المال يتدفق على دولارنا بشكل لم يسبق له مثيل». غير أنه وفى المقابل، تبدو هناك ثمة خسائر أمريكية متوقعة نتيجة استمرار الأزمة مع تركيا. فإصرار أنقرة على عدم الإفراج عن القس برانسون يمثل ضربة قوية لكتلة ترامب الانتخابية الأكبر من البيض الإنجيليين قبل انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى نوفمبر المقبل. سياسيا، يسعى ترامب بقوة إلى استثمار قضية القس فى حشد الناخبين وراء مرشحى حزبه الجمهوري، فى ظل استطلاعات الرأى الأخيرة التى تكشف عن وجود منافسة شديدة على 68 مقعدا جمهوريا حاليا، فى حين أن المطلوب هو انتزاع 23 مقعدا فقط من هذه المقاعد حتى يفقد الحزب الجمهورى سيطرته على مجلس النواب. اقتصاديا، تعتبر الولاياتالمتحدة رابع أكبر مصدر للواردات التركية بعد (الصينوألمانياوروسيا وبريطانيا)، وخامس أكبر سوق للمنتجات التركية بعد (ألمانيا وبريطانيا والإمارات والعراق)، وهو ما يعنى أن أى وقف للاستيراد التركى من أمريكا سيتسبب بخسائر تصل إلى المليارات، خاصة بعد إعلان أردوغان مقاطعة بلاده الشركات والمنتجات الأمريكية، ومن ضمنها الإليكترونية. ووفقا لهيئة الإحصاء التركية، فإن حجم الواردات التركية من الولاياتالمتحدة حتى نهاية العام الماضى 2017 بلغ 11.95 مليار دولار، فى حين كان حجم الصادرات التركية للولايات المتحدة 8.65 مليارات دولار. أضف إلى ذلك خسارة الولاياتالمتحدة ل»شريك مخلص» كما أكد أردوغان، مشيرا إلى أن بلاده ستتوجه إلى أسواق وتحالفات جديدة ردا على العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وعلى الفور أعلنت روسياوالصينوألمانيا استعدادها الوقوف إلى جانب تركيا. أما عسكريا، فتمثل قاعدة «إنجيرليك» التركية قاعدة الانطلاق لضربات أمريكا فى سوريا وتقديم الدعم لقوات «سوريا الديمقرطية» ذات الغالبية الكردية، والتى تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستانى «المحظور»، والذى تصنفه البلدان كمنظمة إرهابية. وفى ظل الأزمة الجارية، ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن مجموعة من المحامين القريبين من الحكومة التركية قدموا مذكرة إلى محكمة أضنة، أقرب مدينة إلى قاعدة إنجرليك، للمطالبة باعتقال ضباط أمريكيين لاتهامهم بالمشاركة فى محاولة الانقلاب التى شهدتها تركيا فى يوليو 2016، منهم قائد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل، ذلك فيما يبدو بمثابة تمهيد لإغلاق القاعدة فى وجه أمريكا. كذلك ذكرت صحيفة «حرييت» التركية أن خروج أنقرة من برنامج تصنيع مقاتلات (إف - 35) متعدد الجنسيات سيكلف واشنطن وشركاءها خسائر تبلغ نحو 12 مليار دولار. وكتب جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكى فى رسالة بعثها للكونجرس أثناء مناقشة تشريع منع بيع المقاتلات لتركيا، قائلا إنه «من دون تركيا لا يمكن المضى ببرنامج تصنيع المقاتلات، حيث تأخذ 10 شركات تركية مكانها فى المشروع، نتفهم مخاوفكم من موضوع القس الأمريكى أندرو برانسون وصواريخ إس 400 الروسية، ولكن من دون تركيا فإن برنامج إنتاج المقاتلات سيتعرض للتوقف والتأخير». يبدو أن سلاح العقوبات الذى تسلح به ترامب فى معركته مع أردوغان ذا حدين، فعلى قدر ما قد يحققه من مكاسب، إلا أنه كذلك يتسبب فى تكبد خسائر ربما كانت غير متوقعة.