كانت المدينةالمنورة تسمى باسم يثرب بن قانية بن مهلال، وكان زعيم قبيلة، وبعد أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إليها أطلق عليها «مدينة الرسول» وقد تعددت أسماؤها، ومن أشهر تلك الأسماء: طيبة ، وطابة، ودار السنة، ودار الهجرة، ومدخل صدق، وبيت الرسول، وحرم رسول الله، إلا أن الأشهر هو المدينةالمنورة لكونها تستضيء بضيائه صلى الله عليه وسلم، منذ أن وصل إليها مهاجرا من مكة. والحديث عن المدينةالمنورة فى الشعر العربى وتعلق القلوب بها يبدأ بالهجرة عقب الاتفاق عليها فى بيعة العقبة الثانية وقد كتبت فى ذلك مصنفات عديدة وعقدت الندوات الثقافية التى تتناول ذلك فى أبحاثها، ودارت حول مدرسة المدينة فى عصر المبعث، وشخصية المدينة الشعرية، وشعرية المدائح النبوية والشعر الملحمى والوطنى فى بيئة المدينة وقد دبجت قصائد عديدة على مر العصور فى مجال المديح النبوى تتضمن مناجاة الحبيب المصطفى والشوق إلى زيارته فى مكانه بالمدينة التى تتلألأ بنوره وتستضىء بضيائه، وتعد أنشودة «طلع البدر علينا» التى أنشدها النساء والأطفال فى استقباله صلى الله عليه و سلم عند وصوله إلى مشارف المدينة أول نص شعرى جماعى يقوم على التعبير بالصورة والشحنة الوجدانية المتوهجة ويكاد عامة العرب والمسلمين يرددونها مع توالى الاحتفالات برأس السنة الهجرية: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع والمدينةالمنورة هى حاضنة الانطلاق الإنسانى بدعوة الإسلام وقد كان ذلك مدعاة لأن تسكن الشعر وتشرق فيه ويشرق منها ويقيم منها الشعراء وجودا شاخصا يأرزون إليه، كما كان يأرز إليه الإيمان، ولنستمع إلى حسان بن ثابت وهو يقول: بطيبةَ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ منيرٌ وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ ولا تنمحى الآياتُ من دارِ حرمة بها مِنْبَرُ الهادى الذى كانَ يَصْعَدُ ومن شعراء اليوم نجد الشاعر محمد العيد الخطراوى يتلاقى مع حسان فى وصف بعض معالم المدينة فيقول: ورحاب كأنها جنة الخلد بأفيائها يطيب وجٌودى تتندى بها الأمانى .. وتهمى فوق رأسى بها سحائب جود والمرايا فى كل صوب صلاة وخشوعً ومحفٌل للخلود وهذا شاعر المدينة عبيد بن عبدالله مدني- ولد وتربى فيها- وهو من أسرة ينتهى نسبها إلى سيدنا الحسين بن على رضى الله عنهما يصف الروضة الشريفة قائلا: القداسات والهدى والجلال والعنايات والسنا والجمال والطهارات والمنى والتجلى والشعاعات والجدى والكمال كلها.. كلها هنا.. وإليها ترحل النفس والحجى والسؤال تترامى على ثراها .. وترجو فى حماها ألا يخيب المآل ومن مصر نرى الشاعر أحمد محرم يرسم الحراك النفسى للأنصار وتسابقهم على احتضان الرسول، وقد برزت فى هذا الحراك معان سامية جاءت فى جوهر الدين الحنيف كالتكافل والتضامن والنجدة والوفاء فيقول: أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل يَكفيكَ من أشواقها ما تَحمِلُ القومُ مُذ فارقتَ مكّةَ أعينٌ تأبى الكرَى وجَوانحٌ تَتململُ يُتطلّعون إلى الفجاج وقولُهُمْ أفما يُطالِعُنا النبيُّ المُرسَلُ انْظُر بنى النّجَارِ حَولك عُكّفاً يَرِدُونَ نُورَك حِينَ فَاضَ المنهلُ لم يُنزِلوكَ على الخُؤولةِ وحدَها كلُّ المواطنِ للنّبوّةِ مَنزلُ نزلوا على الإسلام عندَك إنّه نَسَبٌ يَعُمُّ المُسلِمينَ ويَشملُ ومن أروع ما قيل فى المدينة تلك القصيدة التى تناولها الناقد والأديب السورى الدكتور وليد مشوح للشاعر أبى محمد عبدالله البكري، وهو يتغنى بالشوق إلى معانقة أوفياء طيبة العطرة ويخاطب صاحبه قائلا: وابشر ففى الخبر الصحيح تقررا إن الإله بطيبةٍ سماها واختصها بالطيبين لطيبها واختارها ودعا إلى سكناها لا كالمدينة منزلٌ وكفى بها شرفاً حلول محمد بفناها وهذا شاعرنا محمود غنيم يزور الأراضى المقدسة عام 1968 م ، لأداء فريضة الحج يعبر عن تلبيته النداء واقفا على باب الرسول، يخاطب دار النبوة قائلا: دارَ النُّبوَّةِ، ذنبى عنك أَبْعَدَني وحُسْنُ ظَنِّى بربِّى منكِ أدناني مازلتِ رسمًا جميلاً فى مُخَيِّلتي حتى كأَنَّا التقينا منذ أَزمان ونرى شاعر مكة الشاعر محمد حسن فقى يفرد ديوانا كاملا للإسلاميات ومعظم قصائده عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيتناول المدينةالمنورة فى قصيدة « جدل وابتهال» يقول فى ختامها: هرع الرفاق لطيبة من جانب البلد الحرام هرعوا يريدون الثواب ويهربون من الآثام جاءوا إلى هذا الرحاب ومن أتاه فلن يضام وفى قصيدته التى عنوانها «ذكرى المدينةالمنورة» يناجى الشاعر عبده بدوى ربه متذكرا رحلة المدينة فيقول: يارب طال الشوق صار حمامة قلبى فهذب لهفتى وتشوقى ولتتركنى وردة ماسية فى روضة بالمسجد المتألق همنا به حتى رأينا أننا صرنا ملائكة تحد وترتقى وتدور حول النور فى وجد وفى تكبيرة الإصباح فيما قد بقى ولا ننسى الثلاثية المقدسة التى كتبها الشاعر صالح جودت عندما أدى مناسك العمرة عام 1974، فكتب عن المدينة يقول: يا عطاء الروح من عند النبي وعبيرا من ثنايا يثرب يا ضياء الحرم الطهر الذى يشرق النور به فى الغيهب قم وبشر بالمساواة التي ألفت بين قلوب العرب ونجد الشاعر اليمنى زين صادق العيدروسى يتغنى بحبه للمدينة المنورة فى إحدى مدائحه النبوية ناسجا على منوال النهج الصوفى فيقول عن حبيبته المدينة: لا عيش لى يحلو بغير حبيبتى هى مصدر الإيحاء والإلهام فإذا رحلت فأنت غاية مقصدي حسبى من الدنيا وذاك مرامي حب المدينة نعمة مذ خصها رب العباد لكل ذى إفهام فخر المدائن والبسيطة كلها هى دوحة الإيمان والاسلام وهذا الإحساس يترجمه بأسلوب آخر فى حالة مفارقة الحبيبة «المدينة» الشاعر محمد أحمد العمرى حين يقول: أبعد روضتها الغنا وقبتها ال خضراء يحلو بعينى مسلم وطن؟! كل المنى فى رحاب المصطفى جمعت ديناً ودنيا فما فى مثلها ثمن ما كنت أعرف ما للشوق من أثر حتى ترحل بى عن ربعها البدن وهكذا شرف الشعر على مر العصور بالتغنى بالمدائح النبوية متدفقا سلسا متنوعا فى سماته الفنية مترجما عما يجيش فى صدر كل مسلم كتب الله له الحج وزيارة المدينة فى هذه الأيام المباركة أو يتطلع إلى تحقيق أمنيته فى العام المقبل.