«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«العاصوف».. دراما سعودية تنحاز للثقافة المصرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 08 - 2018

هبت عاصفة كبيرة على إثر حرق صورة الزعيم خالد الذكر «جمال عبد الناصر» فى إحدى حلقات المسلسل السعودى «العاصوف»، قصة الراحل الكبير»عبد الرحمن الوابلى» الحاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ من جامعة شمال تكساس الأمريكية، وهو من بطولة نجم السعودية الأول «ناصر القصبى».
..............................................................
والمسلسل فى حد ذاته يعد واحدا من المسلسلات الخليجية القلائل التى احتفت كثيرا بالثقافة المصرية طوال الحلقات، فقد امتلأت جدران البيت الذى تسكنه «عائلة الطيان» العمود الفقرى للأحداث بصور «عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، وغيرهم من فنانى مصر الذين على ما يبدو قد أثروا وجدان جيل السبعينيات الذى تنصب عليه أحداث المسلسل، والتى تهتم كثيرا بتلك التطورات التى طرأت على المجتمع السعودى آنذاك، فقد جسد الفنان «عبد الإله السنانى» دور «محسن» أحد أبناء عائلة الأم «هيلة»، والذى كان يدرس القانون فى القاهرة، ويعود الى الرياض محاميا يحمل أفكارا جديدة وثقافة مختلفة مستمدة من المرحلة الناصرية، وهذا ما يضعه فى صدام وصراع أخوى دائم مع شقيقه «خالد» الذى لعب دوره الفنان «ناصر القصبى»، حيث يظلان يختلفان فى وجهات النظر طوال أحداث العمل.
ربما كان الهدف الرئيسى من هذا المسلسل هو عرض قصة الرياض للجيل الجديد فى هذه الحقبة، من حيث الشكل والبيوت والمواصلات وطريقة التواصل بين الناس فى الحارة بعد التغييرات الاقتصادية التى حدثت، فيما مايشى بأنه عبارة عن مسلسل متعدد الأجزاء يعنى ب «البيئة السعودية» القديمة على طريقة «باب الحارة» السورى، حيث إنه من المقرر أن يعرض فى الأجزاء المقبلة حقبة الثمانينيات والتسعينيات مع تطور الشخصيات، لذا فقد عمدت جهة الإنتاج إلى بناء أحد أحياء مدينة الرياض فى تلك الفترة الزمنية محل الأحداث على مساحة تبلغ 6500 متر مربع فى مدينة أبوظبى الصناعية «كيزاد»، بهدف محكاة فترة السبعينيات من القرن الماضى، وهو يتعرض لفترة تاريخية مهمة مرت بها المملكة العربية السعودية «فترة السبعينيات» ومرحلة التطور الاقتصادى والتاريخى والسياسى الذى حدث فى المنطقة وردود الفعل عليها، لذا تعرض لتأثير سياسات عبد الناصر على المجتمع العربى فى تلك الأونة ومنها السعودية التى كانت على خلاف شديد مع الناصريين باعتبارهم يرفعون لواء الشيوعية، الأمر الذى دفع الناشط السياسى» راشد» الذى جسد دوره «سامى حازم» إلى حرق صورة «عبد الناصر» لينفى شبهة انتمائه إلى الأفكار الناصرية قبل القبض عليه، ومن ثم فقد دبت ثورة من الغضب المصرى الجارف على أثر حرق رمز من رموز مصر الوطنية فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ العرب.
ظنى أن العمل من الناحية الدرامية هو نقلة نوعية للدراما السعودية والخليجية، وعلامة فارقة فى نقل الدراما من الكلاسيك الى دراما تتحدث عن تاريخ، خاصة عندما تطرح الدراما التاريخ بلغة الصورة لتصبح عملا شعبيا دراميا اجتماعيا بامتياز، ولا يخلو فى الوقت ذاته من «كوميديا الموقف» التى اعتاد تقديمها القصبى من قبل على غرار «طاش ما طاش» و»سيلفى»، لكنه هذه المرة يقدم قصصا واقعية فى حقبة زمنية قديمة خلال فترة حكم الملك فيصل - يرحمه الله - ويرصد أحداثا اجتماعية وسياسية، وحياة الناس فى السابق وبساطتهم وطريقة التعامل مع الآخر، عن طريق الاستناد الى مراجع تاريخية وإلى جانب استعانتهم بباحثين تعايشوا مع تلك الحقبة، لعرضها على الشاشة، كما جاءت بطريقة متقنة من حيث تقمص الممثلين للشخصيات بالشكل المطلوب، فضلا عن المكياج والاكسسوارات والأزياء والشعر والسيارات وملامح شكل البيوت والميادين، إلى جانب اتقان اللهجة «النجدية» القديمة التى تحوى مصطلحات معينة، وقد كان للمخرج السورى «المثنى المصبح»، دور كبير فى اظهار العمل بأفضل شكل، والتعاون مع كل أبطال المسلسل فى تقديم عمل سعودى مميز، لاسيما وأن العاصوف حصد صدى كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعى.
العصف الذهنى الذى أثاره مسلسل «العاصوف» كان هدفا بحد ذاته، ليثار حوار اجتماعى بين السعودين من الجيل الحالى يصلون منه لحقيقة ذواتهم، وما كانوا عليه قبل نصف قرن فقط، وما تعرضوا له من تغير، وما تعرضوا له أيضا من نسيان لماضيهم البسيط؛ الذى كانوا عليه، فالمسلسل عبارة عن دراما تجسد - بدون تكلف - بعض الحكايات الاجتماعية من حقبة السبعينات الميلادية فى العاصمة الرياض، وهذا أمر جيد وطبيعى،، لكنه للأسف تحول إلى ميدان للصراع فى الصحف وشبكات التواصل بين أطراف متعددة لاعتبارات عقيمة لا علاقة لها بالنقد الفنى أو حتى التاريخى، فبحسب كاتب النص «الدكتور عبد الرحمن الوابلى» الذى عايش تلك الفترة فإن عرض «العاصوف» لمرحلة مر عليها جيلان تقريبا، وابتعد الناس عنها وهى تعرض لمشاهدين شباب لا يتخيلون المعروض لهم، وهو أنه أسلوب معيشة بعض آبائهم، وأجدادهم وهم لا يتخيلون كم ابتعدت أخلاق المجتمع عن تلك الأيام المنفتحة، التى لم تصبها ردة الفعل على الحضارة، والنكوص الذى أصاب الناس، تلك الأيام، والتى كان يتهيأ السعوديون أنفسهم ليكونوا مجتمعا منفتحا، ففى هذا الوقت البرزخى، أصاب المجتمع نكوص عام، ومرض المجتمع بالصحوة، وكما يعرف دارسو الحضارات و»الإنثروبولوجيون» أن المجتمعات تصاب بالأمراض عامة كما يصاب الأفراد بها، وقد يستغل المؤدلجون أزمنة النكوص الاجتماعى، ليعيثوا بالمجتمع إفسادا لحياته وأخلاقه، ومكوناته الثقافية، وهذا ما عانى منه السعوديون على مدار نصف قرن من الزمان.
نأتى للخطوط العامة للنص والتى كتبت فى إطار رواية لعائلة فى السبعينات، فى الرياض، ومدن «نجد» وعلاقاتها وما يعتريه من أحداث، وترسم خطوط صراع مع الآخر، فى ظل مجتمع متصالح مع نفسه فى مسلسل متقن الصنع، ليمضى المسلسل دون هبوط فى الإيقاع أو تطويل فى الحلقات بهدف كسب الوقت، ويحظى التمثيل بتنوع بين النساء والرجال فى الأعمار فكبار السن والرجال والنساء البالغون والمراهقون وعشوائيتهم، ثم الأطفال فى تشكيلهم وصورة لطقس الزواج كما كان فى تلك الحقبة، حيث يشارك الجميع رجالا ونساء فى الحفل ويتشاركون الميسور من الطعام، ولا شك أن نص المرحوم «عبدالرحمن الوابلى» بشيء من الاحترافية كتب له النجاح كلية فى التعبير عن تلك الحقبة الزمنية بفطريتها ونقائها وبساطة عيش السعوديين وتمسكهم بالعادات والتقاليد الإسلامية وصحيح الدين، على الرغم من بروز دور جماعة «الإخوان» الإرهابية وتمدد نشاطهم بين مصر والسعودية وسوريا آنذاك - كما بدا لنا من لغة خطاب «الشيخ محمد سعيد» الذى أبدع بدوره الفنان السورى «فادى صبيح» حيث عبر بصدق عن نار الحقد التى كانت تأكل قلوب الإخوان ونقمتهم على الزعماء العرب وعلى رأسهم «عبد الناصر» الذى كانوا يلقبونه بالطاغية جراء فهمه لأساليبهم الشيطانية ومن ثم عمد إلى عدم تمكينهم من السيطرة على عقول المصريين وتحذيراته الدائمة لخطرهم على الأمة العربية كلها.
التقييم المباشر للمسلسل أن هناك انقساما بين الناس على هذا المسلسل، مع أن أكثر من نصفهم شباب لم يروا ذلك الزمن، ولم يقرأوا عنه وبهذا الاختلاف عرفنا أن مسلسل «العاصوف» مسلسل ناجح، أثار التأويل والتفسير بين الناس من مقتنع بأن المسلسل ينقل واقعا معتدلا كان فى الماضى، وبين مكذب يدعى المثالية فى مجتمع أفلاطونى، تخيله المتخيل بمقاييس مثاليات الصحوة، وآيديولوجياتها ووعاظها، وعلى أثر ذلك ثارت ثائرة البعض وزعموا أن ما عرض لا يمثل الحقيقة رغم أن معظم المعترضين شباب لم يعيشوا حقبة السبعينات الميلادية، وحكمهم عليها حكم ظنى من وجهة نظرى النقدية، لا تسنده معلومة، أو عمر عاشوه بها، على العكس تماما من الفريق الآخر من كبار السن، الذين رأوا ذلك المجتمع على طبيعته، بمحافظيه ومن أقل محافظة، وهنالك قلة من المسنين غير المختصين أخذتهم الموجة، وبعض من المشخصين شتموا المسلسل لأشخاص تنويريين فيه مثل المؤلف «عبد الرحمن الوابلى، وناصر القصبى»، وفئة المعترضين من الأفلاطونين يعترضون على تمثيل حالات الغزل وعدم غض البصر، وفئة من أصحاب مقولة سمعت الناس يقولون شيئا فقالته، ومن هنا أقول: باختصار معظم ما سمعنا آراء انطباعية لا نقد يقوم على قراءة المسلسل بشكل منصف، فأنا أكتب هذه السطور بعد الحلقة الأخيرة، ومعى عينة كافية من النص والتمثيل والديكور والسيناريو والإخراج وغيرها، حيث قدم المخرج «المثنى صبح» وهو مخرج سورى من أصل فلسطينى صورة جميلة جدا، وكوادر تمثيل مدربة جيدا، رائعة فى أدائها، وتبدو رؤيته واضحة فى بناء ديكور مدينة من السبعينات، تختلط فيها الحيوانات بالسيارات عند بداية التنمية والتحول، وقد وفق المخرج من وجهة نظرى بصنع مشاهد جميلة تميزت بالتسليم والتسلم لتشكل كادرات متحركة تحكى الأحداث بالتسلسل، مع رقابة صارمة على الزمن ومشاهد الداخل والخارج، حيث توازن الضوء، وهو أصعب ما يواجه نقلات الداخل والخارج فى عمل مثل «العاصوف»، لكن المثنى صبح تجاوزها بجمال وإبهار يحسب له فى النهاية.
ولقد برع الممثلون الذين أدوا أدوارهم على نحو احترافى صحيح مع تفاوت الخبرة بينهم، كون بعضهم نجوم وبعضهم شباب لكن التمثيل كان متقنا ويبدو أن القائمين على المسلسل وطاقم التنفيذ والإخراج قد بذلوا جهدا عظيما فى الإعداد والتدريب، خصوصا لصغار الممثلين الذى أدوا بشكل جميل واتضح التدريب المكثف على أدائهم وحركتهم حيث أقنعونا بعملهم بتفوق، ويبقى النجم السعودى الأول «ناصر القصبى» على رأس قائمة المبدعين تمثيلا وإشرافا على هذه التجربة الدرامية المميزة التى تكتب اسمه بحروف من نور فى تاريخ الفن السعودى المعاصر، على جناح أداء يخلط ما بين التراجيدى والكوميدى بطريقة السهل الممتنع، ليثبت أنه حين يكون الفنان مثقفا، يستطيع أن يلامس المشاعرالإنسانية الصادقة، ودون عناء يمكنه العزف على أوتار القلب والعقل معا فى سيمفونية رائعة وصولا إلى بواطن النفس البشرية الخفية تاركا فيها أكبر الأثر، لدى جمهور يتعطش للفن الراقى فى ظل أشواك وعثرات الدراما الحالية التى تكرس فى غالبيتها لمناخ من الفوضى والعشوائية، وما بالك أن يملك نفس الفنان وعيا صادقا بقضايا وطنه وأمته، حاملا فوق أكتافه هموم وآلام وأحزان وانكسارات هذه الأمة فى لحظة تاريخية أقل ماتوصف بالضبابية، فنان بهذا المعنى والمبنى للشخصية لابد أن تقف أمامه بقدرهائل من التقدير، وتمنحه أوسمة من الفخار التى تزين صدره بالحب والاحترام، خاصة إذا كان فوق هذا وذاك يملك روح المغامرة بالمال والجهد والعرق الفنى الخالص من أجل تحسين صورة وطنه السعودية.
ومن ثم أيضا برعت « ليلى السلمان» فى تجسيد دور الأم «هيلة» التى حاولت قدر المستطاع أن تحافظ على أولادها وتسيطر عليهم بحبها، مؤكدة أن التمثيل هو فن اللعب، وهو كل مايتعلق فى الحركة والصوت وأيضا دراسة عميقة للجوانب النفسية والاجتماعية للشخصية التى تمثلها، إنطلاقا من أن الشخصية هى الأساس الجوهرى للنص وهى القلب النابض للحكاية لذلك قبل البدء بأى شئ، يبدو أن «السلمان» حرصت على التعرف بشكل جيد على أسلوب أو جوانيات الشخصية، وعلى صفاتها وأوضاعها - كما فى حالة الأم «هيلة» - التى ذهبت بها ومن خلالها إلى عوالم مغايرة فى أسلوبها وأدائها فى شبكة علاقاتها، بحيث استطاعت أن ترسم لنا ملامحها التى ترتدى حياة جديدة مليئة بالتفاصيل, لأن الملامح تعطى للشخصية حقا بأن تعبر عن نفسها من حركات خاصة بها، ومن خلال الملابس التى ترتديها، وأيضا من بنيتها النفسية والمهنية والثقافية وكذلك الوطنية أو القومية، فالتمثيل عندها يأخذ طريقة التقمص والعناية بالخيال والتخيل فى حبل القيادة فى الوعى وفى الايهام، وهو ما يعكس بالضرورة أنها تمتلك تقنيات عالية فى أدائها البالغ حد الاحترافية.كذلك يحسب حسن الأداء لكل من «عبد الإله السنانى» فى تجسيده لشخصية «محسن» المتردد والانتهازى أحيانا، فالتمثيل لديه على ما يبدو هو الارتقاء بالنص وانتشاله من الهبوط, وربما كان ذلك منطلقه الأساسى فى تحريك تحريك طاقته فى تأدية دوره بشكل خلاق ومبدع فى أن يصنع حالة من «الضحك فى الحزن» و»من الحزن ينتقل الى حالات من الفرح»، بالإضافة إلى العودة لحالة «التوازن» وهى الحالة الطبيعية له، وهنا كان يمارس تأثيراته على المتفرج فى أن يتحرك بشكل سهل يتناسب وتصرفه وبالتالى يعكس مضمون النص بشكل دقيق، أما «حبيب الحبيب» فقد جمع بين التراجيدى والكوميدى بطريقة رائعة تؤكد رسوخه كممثل من الوزن الثقيل، كما بدا لنا بدور «حمود» الشخصية الأكثر بهجة وسرورا فى هذا المسلسل، فقد كان يتلاعب بماهية الشخصية المرسومة له طوال الأحداث، وكذلك كان يتكيف مع الأحداث بدون أن يؤثر سلبا على صفات الشخصية,كما أنه يتمتع بمستويات عديدة من المشاعر اثناء اللحظة الواحدة لا أن يشرد وتسبقه الشخصية، وهو ينم عن عملية تركيز مستمرة، بحيث تكون له المقدرة على الانتقال فى لحظات متعددة بين الكلمات والأفعال والمشاعر، ولايخلو ذلك من أن يكون دافئا وحساسا وأن يعرف كيف يقدم الفن، وأين يخفيه، كما يعرف أين يقدم ماهو صغير وماهو كبير, وكان يحرص على أن تكون سيطرته على جسمه وحركاته وصوته هى نقطة الانطلاق التى تعنى الإبداع والتالق. ولا يفوتنى فى النهاية الإشادة ب «ريم عبد الله» بدور»جهير» الذى جسدته بطريقة منطقية يغلب عليها طابع الخبرة فى أن الممثل الجيد هو ذلك الذى يستخدم جسده بشكل مقنع ورائع، ولابد وأن يكتشف ما هو مجهول من خلال الطبيعة الانسانية التى يتمتع بها حتى ينمى حركته بشكل جيد، فضلا عن الثقة التى تمتع بها، والتى تاتى غالبا من خلال التمارين على الأداء، لأنه من دون تمارين سيكون هناك خلل كبير فى منظومة الجسد والحواس لدى الممثل، فجسد الممثل دائما ما يكون بنكا من التدفقات الحيوية والطاقات المتعددة كى يواجه دائما مشاكل وصعوبات الأدوار التى يقوم بها، وهو ما بدا واضحا فى أداء ريم عبد الله، وكذلك زميلاتها «زارا البلوشى فى دور «سارة»، وريماس منصور فى دور «طرفة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.