بينى وبين تليفزيون القنال علاقة عجيبة، هى مزيج من المحبة والانتماء، إلى جانب صداقات ممتدة بحكم الجيرة والعشرة، مع عدد غير قليل من العاملين به، حيث كانت القناة الرابعة هى أول قناة إقليمية بالمعنى الحرفى للكلمة تنطلق فى البلاد، فى وقت لم تكن مصر قد عرفت فيه بعد طوفان المحطات الفضائية، وصراع الديوك الذى يشنف آذاننا كل ليلة، ولم يكن نصيب أى محافظة خارج القاهرة الكبرى من البث فى التليفزيون الرسمى للدولة يزيد عن بضع دقائق، كلما استدعى الأمر ذلك، بحدث كبير أو قضية تتجاوز فى آثارها حدود نطاقها المحلى. مازلت أتذكر حتى اليوم الساعات الأولى للبث التليفزيونى للقناة الرابعة، وكيف تحولت شاشتها وطلة مقدمى البرامج فيها على بساطتها، إلى ضيف دائم فى معظم بيوتنا، نتلمس من خلالهم أخبار الإقليم، وآخر استعدادات أنديتنا الكروية للبطولات المحلية والقارية، إلى جانب العديد من الأخبار الخاصة بالمياه والكهرباء وغيرها مما يعرف اليوم ب «صحافة الخدمات». على مدى أكثر من ثلاثين عاما، نجحت القناة الرابعة فى إعداد سجل كامل لملامح حياة الناس فى إقليم القناة وسيناء، وهى تملك الآن ثروة هائلة من التراث الإنسانى لأبرز فنون المنطقة، وما صاغه الفنانون العظام من ملوك الضمة والسمسمية من أعمال، لا تزال حاضرة فى وجدان كثير من أبناء الإقليم، قلما تجدها فى أى محطة تليفزيونية أخرى، غير أن ما يثير الانزعاج بحق هى تلك الأخبار التى لا يعرف المرء بعد مدى دقتها، والتى تتحدث عن ضم قنوات التليفزيون الإقليمية إداريا إلى المحليات، وهو أمر يعنى ببساطة شديدةإسدال الستار على تلك التجربة الفريدة التى بدأتها مصر منذ منتصف الثمانينيات، وتحويل مثل هذه المحطات من صوت للشعب، إلى أبواق للإدارة المحلية، تعكف فقط على متابعة أنشطة المحافظين وتحركاتهم على نحو دعائى يفقدها أى دور ثقافى أو اجتماعى أو تنويرى. ربما لا يعرف كثير من المعنيين بشئون الإعلام، وعلى رأسهم بالطبع الهيئة الوطنية للإعلام برئاسة الأستاذ حسين زين، حجم المعاناة التى تعيشها القنوات المحلية وفى مقدمتها القناة الرابعة، وكيف أن كثيرا من تلك القنوات لا تجد كثيرا من مقومات العمل، بدءا من قطع الغيار الفنية اللازمة لتشغيل الكاميرات وأجهزة الإضاءة، وليس انتهاء بالوقود اللازم لتحريك سيارات البث من مقر المحطة إلى مواقع الحدث، وجميعها أمور يمكن تدبيرها بقليل من الجهد والابتكار، وإطلاق يد أطقم العمل بها، لتجاوز تلك الدائرة الجهنمية من البيروقراطية، التى تحتم ضرورة الحصول على موافقة أكثر من إدارة مركزيا، لإنجاز عمل بسيط هو فى حقيقته من صميم اختصاصات العمل اليومى. وما تعانيه منه المحطات الإقليمية فى مصر للأسف ليس إلا صورة مصغرة لكنها تحت العدسات المكبرة، لما يعانيه منه «ماسبيرو»، ذلك الكيان العملاق المرابض على ضفاف النيل فى القاهرة، الذى تحول فى نظر كثيرين إلى عبء كبير على الدولة يجب التخلص منه، وهى قولة حق يراد بها باطل، فلا توجد دولة فى العالم تسير باتجاه التخلص من أدواتها الإعلامية على هذا النحو، فى زمن أصبحت فيه شاشة التلفاز أقوى من القنبلة، وصفحة الجريدة أقوى من دانة المدفع. التطوير دائما ممكن، إذا ما خلصت النيات وتوافرت الإمكانات، وهو إجراء أسهل بكثير جدا من قرارات إهدار الأصول، خصوصا إذا ما تعلقت هذه الأصول بوجدان الناس وذاكرة الوطن. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى;