اختتمت مساء أمس الثلاثاء فعاليات الدورة الحادية عشر لمهرجان وهران للفيلم العربى بمشاركة مصرية كبيرة تليق بتاريخ وتأثير السينما المصرية، فكانت مصر وأبناؤها فاعلين طوال أيام المهرجان، وهو ما يؤكد عمق العلاقات وصلابتها بين مصر والجزائر. وكان لوجود السفير عمر أبوالعيش أثره الإيجابى الكبير منذ لحظة وصول الوفد المصرى نجوما وإعلاميين حيث استقبل الجميع بحفاوة كبيرة، كما تسلم درع تكريم اسم الفنانة الكبيرة الراحلة شادية. كما تم تكريم النجم محمد هنيدى والفنانة عفاف شعيب والمخرج خالد يوسف وشارك فى فعاليات المهرجان الفنان طارق عبد العزيز وهانى عادل والسيناريست ناصر عبدالرحمن والمنتج محمد العدل فى لجنة التحكيم وعلى مستوى المشاركات فى المسابقة شاركت خمسة أفلام مصرية، ففى مسابقة الأفلام الروائية شارك فيلم «فوتوكوبى» للمخرج تامر عشري، وفى مسابقة الأفلام الروائية القصيرة شارك بها فيلمان.. «ندي» إخراج عادل أحمد يحيي، وتدور أحداث الفيلم حول ندى وهى فتاة صماء ترقص فى إحدى الفرق الاستعراضية وتزداد مشكلتها، حيث إن عازف البيانو فى العرض هو الآخر كفيف، ومن هنا تبدأ المشكلات فى التصاعد معه. الفيلم من بطولة أمير صلاح الدين ومى الغيطى واستقبل الفيلم بحفاوة كبيرة. ونال فيلم «أعراض» للمخرجة الشابة نوران طارق الإشادة والتقدير والحفاوة الكبيرة لجرأتها فى أن يكون فيلمها الأول عن موضوع صعب تقديمه فى صورة بصرية ممتعة، لكنها نجحت فى أن تعلن عن صعود جيل جديد من المخرجات تدور أحداث الفيلم حول ثلاثة أمراض من الأمراض النفسية وكيف يرى المريض الحياة من وجهة نظره، وأن الأمر بداخله أصعب بكثير مما يراه العالم الخارجى والمحاولة للوصول إلى العيش بسلام بين المجتمع ومن بداخلهم هذا العناء نظرا لموقف المجتمع والناس منه والتعامل معه من منطلق الجنون. كما شهدت مسابقة الأفلام الوثائقية أيضا، منافسة فيلمين من مصر هما «النحت فى الزمن» إخراج يوسف ناصر و«بودى فرعون السومو» إخراج سارة رياض.
بطولات وسجون تاريخية وأزمة سوريا وقضايا المرأة على مدى أيام المهرجان تم عرض عدد من الأفلام المهمة، وياتى فى مقدمة هذه الأفلام المغربى «كيليكيس..دوار البوم» للمخرج عز العرب العلوى ويحسب لإدارة المهرجان نجاحها فى اقتناص العرض العالمى الأول له وهو بطولة مجموعة من الفنانين الذين أجادوا ببراعة أداء شخصياتهم بما فيها من قسوة وحب وعالم مجهول، من بينهم الفنانون محمد الرزين وحسن بديدا وأمين الناجى وكمال الكاظمى وأسماء الصاورى وتناول الفيلم فترة مهمة فى تاريخ المغرب فى أواخر الستينيات إلى التسعينيات وهو مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى «دوار البوم» بين جبال الأطلس الكبير فى المغرب، وهو تجمع سكانى لعائلات وحراس معتقل سرى ظل وجوده خارج التاريخ لمدة طويلة حتى بداية التسعينيات من القرن الماضى عبر جسر معلق فى الهواء على واد سحيق يربط الدوار بسجن القلعة، يقضى سكانه من الحراس حياتهم فى مناوبة الحراسة. ويستسلمون لقدر محتوم يخيم بثقله على كل مرافق الحياة. شخوص تفرقت بها السبل واختلفت مصائرها، ودفعتها الأقدار إلى اكتشاف أنه فى حقيقة الأمر دوار البوم ما هو إلا سجن كبير يحتجز الجميع..حراسا وأسرا ومعتقلين. وعقب العرض قال المخرج عز العرب العلوى إن الرسالة التى أراد ايصالها من خلال فيلمه هى ضرورة عدم العودة إلى عصر ما يسمى سنوات الرصاص وصفق الجمهور للفيلم الجزائرى «إلى آخر الزمان» تأليف وإخراج ياسمين شويخ، بطولة جيلالى بوجمعة وجميلة عراس والذى يتوقع ان يحصد الجائزة الكبرى للمهرجان الذى تدور أحداثه فى مقبرة سيدى بولقبور، حيث يعيش حفار القبور «علي» الذى تجاوز الستين ويلتقى ب «جوهر» التى جاءت لزيارة قبر شقيقتها للمرة الأولى بعد وفاة زوجها. وتسعى «جوهر» إلى تجهيز القبر لترقد فيه إلى جوار شقيقتها الراحلة وتقرر إقامة جنازة لها استعدادا للرحيل وتطلب المساعدة من «علي». لكن استعداداتها للرحيل من الدنيا تتوقف فجأة عندما تقع فى حب «جوهر» ويكتشف أنه يبادلها الشعور نفسه.
وهران تحتضن سوريا ومن الأفلام المهمة التى عرضها المهرجان الفيلم السورى «رجل وثلاثة أيام» سيناريو وإخراج: جود سعيد والذى منع من المشاركة فى مهرجان العالم العربى بباريس بحجة انه من إنتاج الدولة السورية ممثلة فى مؤسسة السينما ويحسب لإدارة مهرجان عرض الفيلم الإنسانى الذى يقوم ببطولته محمد الأحمد وربى الحلبى ولمى الحكيم ويروى حكاية كاتب ومخرج مسرحى ينفصل عن زوجته الممثلة خلال افتتاح آخر عمل مسرحى قدّماه سويا ليقرر بعدها السفر خارج سوريا. وفى تلك اللحظة يسمع بخبر وفاة صديق له ويؤتى بتابوت يضم جثمانه إلى منزله، ويطلب منه نقل التابوت لأهل صديقه. وكان المخرج السورى جود سعيد قد أرسل كلمة ألقيت على الجمهور قبل عرض الفيلم، فى وهران، جاء فيها: أكتب لكم وكنت أتمنى أن أكون بينكم، لكن ظروفا قاهرة حالت بينى وبين القدوم، اعتذر عن ذلك، أرسل لكل شخص فى القاعة محبة وسلاما من دمشق. شكرا لمهرجان وهران، الذى احتضن «رجل وثلاثة أيام»، بعد الظلم والإقصاء، الذى تعرض له. نحن نصنع أفلامنا، فريقى وأنا، كى تحملكم فى عتمة الصالة ضيوفا على أحلامنا، وأوجاعنا، وضحكاتنا، ضيوفا جميلين على مخيلتنا الجريحة من عبث الحرب، الجريحة لكن الباسمة. نحن نصنع أفلامنا كى لا نموت بلا ذاكرة، كى لا نكون حكاية عابرة.. أحبكم وأتمنى أن يمنحكم الفيلم وقتا من الحب. ومن دعوة السينما السورية للحب إلى فضح السينما اللبنانية لكل ما يقهر المرأة، خاصة قضية زواج الفتيات القاصرات تحت ضغط الفقر والجهل وهو ما تناوله الفيلم اللبنانى «نور» بطولة فينيسا أيوب التى أدت الشخصية ببراعة ونجح المخرج خليل زعرور فى إيصال رسالته التى تنحاز للإنسانية من خلال تناول قصة نور فتاة فى الخامسة عشر من عمرها، تعيش فى قرية فقيرة تعيش حياتها بطفولية وتحبرها عائلتها الفقيرة على الزواج من شاب ثري، رغم فارق السن بينهما، وبعد زواجها، تتعرض نور للاضطهاد من طرف زوجها وعائلته. أما الفيلم الجزائرى «لم نكن أبطالا» إخراج وسيناريو نصر الدين قنيفى فمأخوذ عن كتاب المعتقل للكاتب عبد الحميد بن زين وبطولة أحمد رزاق فى رصد معاناة الجزائريين، بينما ألقى الاستعمار الفرنسى القبض عليهم بتهمة رفع السلاح، وتم نقلهم إلى معتقل، وهناك يعيشون يوميات من التعذيب الجسدى والنفسي. وباستحسان كبير تم استقبال الفيلم المصرى فوتوكوبى إخراج: تامر عشرى وسيناريو: هيثم دبور وبطولة محمود حميدة وشيرين رضا وبيومى فؤاد وتدور أحداثة حول محمود، فى أواخر الخمسينيات من عمره، صاحب مكتبة لتصوير ونسخ المستندات فى حى عبده باشا، أحد أحياء الطبقة المتوسطة. يرى أن مهنته والعالم من حوله تتلاشى تدريجيا ولا يقدر على التكيف معه أو مع جيرانه، وفى أحد الأيام أثناء تصويره المستندات يجد موضوعا عن الديناصورات ليبدأ رحلته مهووسا بالبحث عن أسباب انقراضها فى إطار درامي، يدفعه هذا الهوس بالديناصورات إلى إعادة اكتشاف الحب والمعنى الحقيقى للحياة.
قطع البث المباشر وكانت السينما التونسية حاضرة بشكل مميز وقوبل فيلم «تونس الليل» للمخرج إلياس بكار وبطولة رءوف بن عمر وآمال الهذيلى بحفاوة كبيرة وهو يتناول قصة إذاعى مشهور تقوم السلطات بقطع البث عن حلقته الأخيرة ليكشف عن أنماط مختلفة من الحياة لكل فرد فى هذه العائلة، وكان بطل الفيلم رءوف بن عمر حصل على جائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة. والفيلم يحمل الكثير من الإدانات للمجتمع والسلطة وحسب تصريحات سابقة للمخرج إلياس بكار، فإن عمله السينمائى يعكس وجه تونس بعد الثورة، على حد قوله: «فيلم روائى يطرح أسئلة وجودية لها علاقة بما يعيشه التونسيون اليوم»، وأكد أن التونسيين لم يعودوا يعرفون أنفسهم ولا بلادهم، فأفراد العائلة يعيشون مع بعضهم، ولكنهم لا يعرفون بعضهم حق المعرفة. أما الفيلم العراقى «الرحلة» الذى سبق وعرض فى مهرجان شرم الشيخ السينمائى فيكشف عن معاناة العراقيين من خلال السيناريو الذى كتبه وأخرجه محمد الدراجى ولعبت بطولته زهراء غندور وأميرة جبارة وهدى على وتدور أحداثه حول سارة، فتاة غامضة، تجاوزت عقدها الثاني، تسعى لتفجير نفسها داخل محطة قطار، لكنها تتراجع وتجد نفسها فى مواجهة مع طبقات المجتمع العراقى بتنوعه الجميل. واستقبل بحفاوة الفيلم الفلسطينى «واجب» للمخرجة آن مارى جاسر، بطولة ماريا زريق ومحمد بكرى ويرصد التناقضات الفكرية بين الواقع الحقيقى على الأرض فى فلسطين وضرورة قبول المعايشة وبين بعض الشباب المهاجرين الذين يرفضون الواقع الذى يعيش فيه آباؤهم من تعايش مع الإسرائيليين.
ندوات ولقاءات محمد هنيدي: العالم الآن فى حاجة إلى الضحك وسط حفاوة وبهجة كبيرين تحدث نجم الكوميديا محمد هنيدى خلال الندوة التى عقدت مع وسائل الإعلام العربية التى تقوم بتغطية الحدث السينمائى العربى وعبر عن سعادته الشديدة بتكريمه، وقال: أنا فخور بوجودى وزيارتى للجزائر للمرة الاولى. وقال محمد هنيدى إن النجاح يسعد الفنان، لكنه مسئولية كبيرة تجاه الجمهور ويحتاج للحفاظ عليه. وأكد هنيدى أن نجاح أفلام الأكشن لا يؤثر على عشق الجمهور للكوميديا فأنا أرى أن كل ما يدور حولنا فى العالم الآن يجعل الجمهور فى حاجة للضحك أكثر من أى وقت، مؤكدا أن الكوميديا لها تأثيرها الكبير.
خالد يوسف: لن أبتعد عن السينما مرة أخري استقبل جمهور وهران فيلم «كارما» بحفاوة كبيرة وشهدت ندوة المخرج خالد يوسف إقبالا كبيرا، وكما توقع الحميع فكان النقاش والأسئلة التى وجهت له ساخنة ويبحث من طرحوها عن أجوبة تليق بمكانة خالد يوسف فى نفوسهم وتحدث خلالها عن فيلمة «كارما» الذى عرض فى افتتاح المهرجان، وقال: إنه بعد سنوات من الابتعاد عن السينما بسبب انشغاله بالأحداث إضافة لدخوله البرلمان منتخبا قرر العودة إلى السينما بفيلم «كارما» وأكد أن فيلمه إنسانى ويتكلم عن الإنسان بكل تناقضاته، وقال أنا أقدم أفلامى للناس ولا أستهدف طبقة معينة، سواء مثقفين أو رجال أعمال. واعتبر أن نهاية القصة تلخص أن الإنسان هو الإنسان، ونحن كبشر من صنعنا الفوارق. وشدد على ضرورة عدم التركيز على العرق أو الدين ولا الطبقات، فملايين البشر ضحايا لمثل هذه الصراعات والفوارق. وقال خالد يوسف إن عودته إلى السينما كانت ممتعة بعد 7 سنوات عجاف، وإنه بعد هذه العودة إلى السينما لن يبتعد مرة أخري، لأنه مهتم بالناس وبقضاياهم. وأكد أنه لم ينشغل بالسياسة وإنما انشغاله كان بهم وطنى لكى تنال مصر المكانة التى تستحقها. وأبدى فخره بالمشاركة فى تحرير مصر من جماعة الإخوان، واعترف خالد يوسف بأنه مقصر فى تقديم أفلامه للمهرجانات، وقال: متعتى الحقيقة ليست فى الجوائز، وإنما فى أن تصل أفلامى للناس، وأن تسهم هذه الأعمال فى تغيير أى شيء.
تكريم مجدى الطيب قامت الإذاعة الجزائرية بتكريم الناقد الزميل مجدى الطيب تقديرا لمشواره النقدى ولاهتمامه بالسينما الجزائرية عبر سنوات طويلة، وبهذه المناسبة وجهت له الدعوة والوفد الصحفى والإعلامى المصرى - لحضور الاحتفالية التى أقيمت بهذه المناسبة فى مبنى الإذاعة والتليفزيون بوهران، وتم منحه درع التليفزيون ولوحة تذكارية للمجاهد الكبير الأمير عبد القادر الجزائري.