«نحن أصدقاء وشركاء فى السراء والضراء» هكذا استهل الرئيس الصينى شى جين بينج كلمته المهمة للغاية والتى تعد بمثابة «خريطة طريق» للشراكة العربية الصينية، فى الدورة الثامنة لمنتدى التعاون العربى الصينى التى عقدت فى العاصمة بكين منذ أيام، وكانت المرة الأولى التى أشارك فيها فى مؤتمر أو منتدى بالصين ويشارك فيه الرئيس شي، وهى المرة الثانية على التوالى التى يشارك فيها الرئيس شى بنفسه فى أقوى دليل على اهتمام القيادة الصينية فى أعلى مراتبها بأهمية وضرورة زيادة الشراكة والتعاون مع العالم العربي. وحظيت الدورة الثامنة لمنتدى التعاون العربى الصينى الذى بدأ فى عام 2004 بمبادرة مشتركة من جانبى الصين وجامعة الدول العربية، بحضور اكثر من 18 وزير خارجية من الدول العربية فضلا عن مشاركة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وهو الأمر الذى وفر زخما قويا لهذه الدورة تحديدا التى تأتى فى وقت تواجه فى أغلب الدول العربية تحديات صعبة للغاية يصل بعضها إلى حد حماية الدولة من الانهيار وبعضها الآخر إلى محاولة الحفاظ على ما تبقى من الدولة فى حين تواجه الدول المستقرة نسبيا صعوبات اقتصادية طاحنة تكافح بكل ما لديها دون تحولها إلى اضطرابات اجتماعية تهدد كيان أو سيادة الدولة، ومن جانب آخر فإن الصين هى الأخرى تواجه حربا تجارية من جانب الولاياتالمتحدة هدفها الأساسى منع الصين من الحصول على المزيد من التكنولوجيا المتطورة فى مجالات بعينها. وقد كان هذا الأمر مثار سؤال إلى تشاوجين شونج نائب مدير إدارة غرب آسيا بالخارجية الصينية الذى قدم «ملخصا» لإجراءات المنتدى والهدف منه قبل انطلاقه بيوم.. وكان السؤال محددا.. لماذا تسعى الصين لتعزيز علاقاتها وتعاونها مع العالم العربى فى الوقت الذى تبتعد عنه كثير من دول العالم بسبب الاضطرابات والحروب فى سوريا واليمن والعراق وليبيا والإرهاب فى العديد من الدول الأخري؟ وقال المسئول الصينى إن هذا المنتدى ومشاركة الرئيس الصينى شخصيا فى فعالياته يبرهن على أن الصين دولة صديقة مخلصة للعرب وتسعى للتعاون والشراكة مهما تكن الظروف فى العالم العربى ولا تسعى للاستغلال أو الهيمنة وإنما المساعدة والكسب المشترك للجميع العرب والصين. وإذا كانت لغة الأرقام هى اللغة الأصدق من عبارات المجاملة الدبلوماسية، فإن الأرقام تقول إنه عند انطلاق المنتدى فى عام 2004 كان حجم التعاون بين العرب والصين لا يزيد على 36 مليار دولار قفز فى عام 2017 إلى أكثر من 191 مليار دولار، ومتوقع أن يصل الى 600 مليار خلال أقل من 5 سنوات، وأصبحت الصين حاليا ثانى أكبر شريك تجارى للدول العربية، وفى عام 2016 وصل حجم الاستثمارات الصينية المباشرة للدول العربية أكثر من 15 مليار دولار مقارنة بنحو 180 مليون دولار فقط فى 2004. واعتبر «وانج ماو هو» خبير العلاقات العربية الصينية أن الدورة الثامنة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون العربى الصينى جاءت فى ظل ظروف مواتية للغاية لتحقيق نقلة نوعية فى العلاقات الصينية العربية الجماعية، فقد أقامت الصين علاقات شراكة إستراتيجية شاملة أو علاقات شراكة إستراتيجية أو علاقات تعاون إستراتيجى مع 10 دول عربية والواقع أنه منذ أن طرح الرئيس الصينى شى جين بينج مبادرته الطموحة «الحزام والطريق» فى عام 2013 والتعاون مع العالم العربى يشهد زخما كبيرا على كل المستويات وجميع المجالات، وأصبحت العديد من الدول العربية «شريكا» مهما فى مبادرة الحزام والطريق وتستفيد من المشروعات العملاقة فى مجال البنية الأساسية التى تطرحها الصين خصيصا فى إطار هذه المبادرة، حيث وقعت الصين مذكرات تفاهم بشأن التشارك فى بناء الحزام والطريق مع 9 دول عربية. وخلال المؤتمر الصحفى الذى عقد فى ختام المنتدى وشارك فيه وزير خارجية الصين «وانج يي»، ورئيس الدورة الحالية عادل الجبير، وزير خارجية السعودية، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط سألت الأمين العام للجامعة عن ماذا يمكن للعرب أن يتعلموه من تجربة الصين فى التقدم الاقتصادى والصناعي. قال هناك الكثير الذى يمكن أن تستفيد منه الدول العربية من تجربة الصين المبهرة فى التقدم الاقتصادى والصناعى ولا تنسى أن العرب قديما قالوا «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، ولم يكن ذلك من فراغ وإنما يدل على عراقة وتقدم حضارة الصين منذ عصور سحيقة، وإذا ألقيت نظرة على «البرنامج التنفيذي» وهو أحد الوثائق الثلاث التى صدرت فى ختام المنتدى مع وثيقتى «إعلان بكين»، و«الشراكة فى الحزام والطريق» ستجد عشرات الإجراءات التنفيذية لتفعيل التعاون والشراكة مع الصين وكلها تدعم وتعزز فكرة الاستفادة من التجربة الصينية فى التقدم الاقتصادى والصناعي، وعلى سبيل المثال فقط، فقد دربت الصين أكثر من 6 آلاف فنى من العرب فى تخصصات مختلفة خلال السنوات الأربع الماضية فقط، بالاضافة الى المشروعات المشتركة فى المجالات الاقتصادية المختلفة. من المؤكد أن الدول العربية تستفيد وتتعلم من التكنولوجيا الصينية المتقدمة المستخدمة فى تلك المشروعات، وهكذا، لكن يظل السؤال مطروحا.. هل ينتهز العرب هذه الفرصة التاريخية لانفتاح الصين عليهم ورغبتها القوية فى «شراكة» استراتيجية حقيقية معهم لتحقيق التقدم والتحضر الذى يبحثون عنه منذ أكثر من 60 عاما من خلال علاقاتهم و«تحالف» بعضهم مع الولاياتالمتحدة والغرب، ولم يعثروا عليه حتى الآن، ولم يحصلوا على شيء باستثناء الكراهية والاستغلال والتآمر وسحب ونهب ثرواتهم وإلقاء الُفتات إليهم، وهل ستسمح الولاياتالمتحدة بأن يدير العرب ظهرهم لها ويتحالفون مع العملاق الاقتصادى الجديد فى آسيا، أم أنها سوف تمارس عادتها فى هدم وتدمير كل ما قد يضر بمصالحها من خلال حروب سرية وعلانية، ليس أولها أو آخرها الحرب التجارية التى تشنها حاليا ضد الصين لوقف «زحفها» الاقتصادى العالمي، وإذا كنا منذ الاستقلال عن المستعمر «الأوروبي» وعلى مدى أكثر من 70 عاما لجأنا لاسباب سياسية وجغرافية إلى من تنهب ثرواتنا واستغلنا لكى يساعدنا فى الخروج من دائرة التخلف، ونحن نعرف أنهم يكرهوننا ويخافون من حضارتنا وديننا واحتمال أن تهددهم إذا تقدمنا، فإنهم لم يمدوا لنا يد العون ولم نر منهم سوى التآمر والكراهية، فلماذا لا نجرب الصين التى ليس لها أى ماض كريه مع العرب، ولم تكن يوما دولة استعمارية وليس لدينا معها أى تاريخ من العداء أو الصدام، بل إنها كانت ضحية مثلنا للاستعمار الغربى والياباني، وربما من هنا جاء دعمها وتعاطفها مع القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية على مدى ال 60 عاما الماضية ودعمت حركات التحرير العربية بكل قوة. والصين ليست فقط «مصنع العالم» كما يطلق عليها الغرب حاليا، ولا سلع ومنتجات تغزو بها العالم، وإنما أمة ذات حضارة عريقة تسعى لاحتلال موقعها الذى تستحقه وجديرة به فى العالم وسوف تحققه، وإذا كان البعض يريد حصر العلاقات العربية الصينية فى احتياج الصين للغاز والنفط من العرب وفتح أسواقهم للمزيد من منتجاتها، فإن هذا فهم خاطئ وقصير النظر، لأن العلاقات بين العرب والصين أعمق من ذلك وأبعد، والمشتركات بين الأمتين أكثر بكثير من مجالات الاختلاف، وهو ما يعزز من فرضية التعاون الاستراتيجى بينهما، فالنفط والغاز متاحان فى الأسواق العالمية وتستطيع الصين - التى حققت تراكما ماليا ضخما يصل إلى أكثر من 3 ترليونات و600 مليار دولار، أن تحصل عليه من الأسواق العالمية وبأسعار تنافسية، ثم إن المنتجات الصينية هى التى تتسرب إلى المنازل فى كل أنحاء العالم نظرا لجودتها وأسعارها التنافسية. العرب فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخهم وفى الوقت الذى يواجهون فيه تحديات «الوجود» أكثر احتياجا إلى الشراكة الاستراتيجية مع الصين وأمامهم فرصة «تاريخية» بالفعل يتعين عليهم استغلالها لأن «أبواب» الصين لن تظل مفتوحة لهم إلى وقت طويل!