ملف المياه والأمن يتضمن قضيتين الأولى الأمن المائى ويقصد به توفير المياه اللازمة للزراعة والصناعة والاستعمال الآدمى وحماية الموارد الطبيعية والمخلوقات بأنواعها من أجل استمرار الحياة واستتباب الأمن.. القضية الثانية الصراعات التى تهدد العلاقات بين الدول والنزاع حول المياه ومصادرها وهو ما يعرف بقضية «حروب المياه» وسوف نتناول القضيتين تباعاً. الأمن المائى لا غنى عنه لكل مقومات الحياة. أثبت الواقع وتؤكد الدراسات أن عدم توفير المياه الكافية الصالحة للاستعمال يهدد الحياة، ويهدر الأمن الغذائي، ويثير الصراعات داخل الدول وبين ابناء الوطن الواحد. ولعل أوضح مثل معاصر هو ما آلت اليه مدينة «كيب تاون» التى تعانى نقصا حادا فى المياه جعل سكانها يتصارعون ويتقاتلون من أجل الحصول على المياه، والمدينة الجميلة تنهار أمنياً واقتصاديا واجتماعيا واخلاقيا وسياسيا. الأمن الغذائى أساسه الأمن المائى لا يتوافر بدونه والعلاقة بينهما وطيدة نبين بعض جوانبها: - الزراعة هى المستخدم الأول فى العالم للمياه العذبة فالموارد الطبيعية تعيش على المياه إذ إن70% من مجموع الموارد المائية من البحيرات والممرات المائية وطبقات المياه الجوفية تستهلك فى الري. - ما بين30 و40% من الطعام فى العالم يأتى من 17% من إجمالى الأراضى القابلة للزراعة والتى تستخدم مياه الرى لزراعتها. - تستخدم الزراعة 1000 طن من المياه لإنتاج كل طن من الحبوب.. وترتفع كمية الاستهلاك فى أفريقيا وآسيا. - إنتاج كيلو جرام من الأرز يحتاج من 1000 3000 لتر من الماء، وانتاج كيلو جرام من اللحم البقرى المعلوف بالحبوب يحتاج من 13000 إلى 15000 لتر من الماء. - كمية المياه اللازمة لإنتاج مقدار الاستيراد السنوى لحبوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعادل مجرى نهر النيل السنوي. - يمكن أن تتسبب الندرة الفائقة فى المياه إلى نقص طعام العالم بنسبة 10% مما يؤدى إلى ارتفاع اسعار المحاصيل وظهور مشكلة حقيقية يعانى منها 103 ملايين شخص دخلهم دولار واحد أو أقل يوميا. - دور المياه فى توفير الأمن الغذائى لا يقتصر على الزراعة فهى مصدر الأسماك والأحياء المائية بأنواعها التى تشكل 30% من البروتين الحيوانى المصدر الرئيسى للبروتين للفقراء أى بما يزيد على 2و8 مليون شخص، اما تربية الاحياء المائية فتوفر45% من اجمالى الاستهلاك العالمى من الأغذية البحرية كما يعمل فى قطاع صيد الاسماك ما يزيد علي200 مليون شخص 98% منهم فى الدول النامية. - خمس القيمة الاجمالية للانتاج من الاسماك من الاستزراع باستخدام مياه نقية، وبالتالى فان تطوير المياه للانتاج الغذائى من عناصر زيادة الأمن الغذائي. - بالنسبة لمياه الشرب يتطلب الأمن المائى توفير الماء الصالح للشرب يوميا للشخص الواحد ما يتراوح بين 2 و4 لترات، وانتاج غذائه يوميا يتراوح بين2000 و5000 لتر. مع ذلك هناك 1.1 مليار نسمة فى العالم يفتقدون موارد الماء النظيف الكافية للاحتياجات الأساسية ، 2.6 مليار آخرين تنقصهم مرافق الصحة العامة. والمشكلة تتفاقم بسبب عدد من الاعتبارات منها: زاد استخدام المياه الضعف فى القرن الماضى ومقدار استهلاكه سيرتفع الى 40% خلال ال20 عاماً القادمة بسبب زيادة السكان والإهدار. 31 دولة أغلبها فى أفريقيا والشرق الأوسط تعانى حالياً قلة المياه وسيصل العدد كما تشير التوقعات إلى 48 دولة مع حلول 2025 أى أن 2 من 3 أشخاص سيواجهون مشكلة ندرة المياه عام 2025 حيث ستكفى المياه لاستهلاك 35% فقط من سكان الأرض. بالإضافة إلى ذلك فإن ندرة المياه تتفاقم بفعل تغير المناخ لاسيما فى المناطق الأشد جفافاً من العالم حيث يقطن أكثر من مليارى نسمة. ويؤثر التغير المناخى ارتفاعا وانخفاضا فى قضايا الأمن الغذائى والمياه فهو يؤدى إلى فيضانات تهدر الماء، وتصحر يقتل التربة والنبات، ويسبب تلوث المياه والقضاء على الاحياء المائية. بالإضافة إلى كل ذلك فإن غياب الأمن المائى يؤثر على كثير من سمات ومطالب المجتمع أشير منها إلى اثنين أولهما الطاقة. الماء الذى يوفر الأمن والغذاء يوفر ايضا الطاقة 19% من الكهرباء فى العالم مصدره الطاقة المائية Hydro Power. والثانى إن ندرة المياه والشطف المائى له تأثير سلبى على المجتمع وعلى المرأة بوجه الخصوص فقد ثبت أن أغلب الفتيات فى الدول الفقيرة لا تذهب للمدارس لأنها تتحمل مسئولية نقل المياه من مصادرها المحدودة إلى المنازل. هذه الحقائق ليست خافية عن المجتمع الدولي.حيث أشار تقرير للأمم المتحدة الى إن خمس سكان كوكب الأرض يفتقدون المياه الصالحة للشرب بسبب سوء إدارة الموارد، حيث يعيش فقراء العالم على أقل من جالونين ونصف الجالون من المياه فى اليوم وهو ما يعادل واحدا من ثلاثين من الاستهلاك اليومى للدول الغنية. وأصدرت الأممالمتحدة قراراً بأن يوم 22 مارس هو اليوم العالمى للمياه. كما أعلنت أن العقد ما بين سنتى 2005 و 2015 هو عقد الماء لأجل الحياة. كما صدر عدد من القرارات الدولية التى تحاول مواجهة المشكلة منها ( م11) فقرة (1) من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحق فى مستوى معيشى لائق وتوفير مأوى مناسب وغذاء كاف، كما تنص ( م12) فقرة (1) على أن الحق فى مستوى صحى معين يتطلب الحق فى المياه، وتنص ( م14) فقرة (2) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على ضرورة الإمداد بالماء وتطالب ( م24) فقرة (2) من اتفاقية حقوق الطفل توفير الغذاء الصحى الكافى ومياه الشرب النقية، نظراً لأن توفيره يمنع المجاعات والأمراض.. والصراع والحروب. هذه القرارات مطلوبة ولها اهميتها لكن هذه المرحلة تحتاج ترجمتها إلى أفعال وبرامج تبين الآليات والوسائل والأجهزة التى تحمى المياه وتقوم على التنسيق بين الدول والشعوب والمنظمات الدولية وقطاع الأعمال والصناعة والإنتاج ونشر ثقافة الترشيد من أجل أمن وحياة كل مواطن فى كل مكان ومنعاً لقيام حروب المياه التى أصبحت تهدد العالم ولها حديث قادم. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا