هل يعقل ونحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد (وليس قبله)، وبرغم كل هذا الزخم من البنوك والشركات والأسهم والسندات والشيكات والكمبيالات ودفاتر التوفير والمعاملات المالية والقروض، أنه مازال يوجد ما يسمي «ايصال الأمانة»، الذي كان يستخدمه القدماء في البضائع العينية. انه يمثل في واقعنا الحالي «ايصال الندامة» لمن يقع تحت سطوته عندما لا يستطيع أن يسدد قيمته في الموعد المحدد له فيدخل السجن!. وأحيانا يكون الدائن علي علم يقينا بأن المدان لن يستطيع الوفاء بالتزامه في سداد المبلغ في الموعد المحدد فيكون الطرفان الدائن والمدين كلاهما مخطئ في حق نفسه وحق غيره. وتعالوا بنا نستعرض بعيون فاحصة أهم هذه المآسي: أولا: شخص مخاصم الآخر يرسل إليه مظروفا به ورقة فارغة علي منزله، ويغافل المندوب زوجة الرجل موهما إياها أنه خطاب مسجل، فتوقع بالاستلام له دون أن تدرك أنها تكتب باسمها أو تبصم علي ورقة فارغة من أي كلام، ثم يملأ الفاعل هذه الورقة بمبلغ كبير من المال ويسمي «ايصال أمانة» ويعرض علي المحكمة ويكون المجني عليه مظلوما تماما، ويرضخ المظلوم للظالم الذي أملي سطوته عليه بتهديده لإملاء شروط الصلح عليه!. وأنا أقص عليكم وقائع حقيقية حدثت بالفعل وبالمثل تجري نفس هذه الوقائع بين بعض الموظفين فيساعد أحدهم زميله أو رئيسه عند توقيعه بعض الأوراق، فيوقع دون أن يدري علي ورقة بيضاء بين ما يوقع بهذه الحيلة القذرة وتستخدم مثل هذه «الخيانة» في تحقيق أهداف خبيثة مثل طلاق أو زواج، أو تنازل عن شقة سكنية أو غيرها. ثانيا: حالات توقيع المجني عليه بإرادته ايصال الأمانة كموضوع الأمهات الغارمات. فمثلا تتوجه أم العروس إلي متجر أثاث أو أجهزة كهربائية وأدوات منزلية ويغريها التاجر بالدفع علي أقساط أو بالأجل فتنفتح شهية الأم ويسيل لعابها علي ما يفوق قدرتها المالية فتقع في المحظور، وتوقع بل وتبصم أيضا علي ايصال الندامة (وليس الأمانة) بينما التاجر يعلم علم اليقين مقدما عدم قدرتها علي سداد المبلغ. فيكون كلا الطرفين مخطئا في حق نفسه وحق بعضهما البعض، وتنضم الأم إلي طابور الغارمات في السجون مضحية بنفسها في سبيل الفرح بابنتها، لكنه «فرح محزن» وفي بعض الحالات عند ذهاب رجال الشرطة للقبض علي الأم الضحية يرق قلب ضابط الشرطة فيقوم الضابط نفسه ومن جيبه الخاص بدفع الغرامة، ويتم الإفراج عن الضحية فورا. ونحن جميعا نقدر القرار الحكيم والخطوة الكبيرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي بغلق ملف الغارمات، ودفع كل ما عليهن من الغرامات والإفراج عنهن من السجون فورا.. ولكي لا تتكرر مآسي الغارمات يجب حل المشكلة من جذورها بإلغاء العمل نهائيا بما يسمي «ايصال الأمانة» في المحاكم أيا كان نوعها، أو علي الأقل عدم الاعتراف به قانونيا وجنائيا، إلا بعد توثيقه رسميا أمام موثق بالشهر العقاري مع ذكر جميع البيانات كقيمته ونوعه وأسبابه ومدته... الخ عند التوثيق. ... ومن الطبيعي أن تكون هناك فترة انتقالية لبضعة أشهر قليلة فمن الآن وصاعدا يجب علي الدائن فورا أن يذهب بالايصال للشهر العقاري لإثبات تاريخ اليوم فقط عند الموثق المسئول ضمانا لإثبات حقه المادي وبغير ذلك لا يعتد به نهائيا فهل من مجيب؟. كمال شفيق مترى المنصورة