اشرنا في المقال السابق (2) إلي أهمية وجود اقتناع مجتمعي بالدور الريادي الفاعل الذي يمكن أن تقوم به وزارة التنمية المحلية في مرحلة البناء الحالية واشرت سابقا الي وجود ست نقاط ذات صلة سوف اناقشها علي التوالي كان أولها البناء الهيكلي لوزارة التنمية المحلية. رغم الأهمية الكبري للوزارة، التي أكدتها من قبل إلا أنها تنفرد بين وزارات الحكومة بعدم وجود هيكل وظيفي واضح بتدرج متواصل لاينقطع يؤدي الي تراكم الخبرات المتخصصة في مجالها وبالتالي القدرة علي إفراز القيادات المطلوبة في تخصصها البالغ الأهمية. أرجو ألا نتعجل في الإشارة إلي أن الهيكل الوظيفي قائم ومتدرج بدءا من وظيفة رئيس قرية ورئيس مدينة وسكرتير عام مساعد وسكرتير عام ونائب محافظ ومحافظ فهذه بالفعل حقيقة لكنها في الواقع سلسلة دائمة الانقطاع ولاتتواصل أبدا وهو ما يؤكده دائما عدم وجود موظف تدرج في عمله من القرية في وزارة التنمية المحلية وظل يرتقي فيها في المدينة ثم المحافظة ووصل إلي منصب المحافظ أو نائبه. وايضاحا للفكرة فلنتخذ نموذجا للمقارنة علي سبيل المثال وزارة الخارجية حيث يبدأ التعيين بها بوظيفة ملحق بعد اجتياز اختبارات جادة متخصصة ثم يظل يتدرج الي سكرتير ثالث وثان وأول ومستشار ووزير مفوض وسفير ومساعدا للوزير ثم وزيرا، أي ان السفراء الذين يتم اختيار الوزير من بينهم جميعهم بدأ ملحقا صغيرا بالوزارة وتراكمت لديه خبرات هائلة متسلسلة لا تنقطع فى تخصصه مما أهلهم جميعا لأن يكونوا أعضاء مؤسسين فيما نطلق عليه الآن مدرسة الدبلوماسية المصرية ومن تظهر عليه فى أى مرحلة من مراحل الخط الوظيفى أى شبهات يتم بتره فورا ولا يصل أبدا إلى الوظائف العليا وبالتالى لم نسمع يوما أن هناك صعوبة فى إيجاد سفراء يترأسون البعثات الدبلوماسية المصرية فى أى موقع فى العالم بل دائما الصعوبة تكون فى الاختيار بين كفاءات كثيرة متقاربة وناجحة ومتميزة رغم ضخامة عدد بعثاتنا الدبلوماسية فى الخارج بينما عندما نعد لحركة محافظىن فى 27 محافظة فقط فى مصر فإن الأمر عادة يكون فى غاية الصعوبة. السبب الرئيسى المؤكد هو عدم وجود تسلسل واضح ومستمر للهيكل الوظيفى لوزارة التنمية المحلية يدفع بالقيادات من خلال تراكم الخبرة إلى تقدم الصفوف فالغالبية العظمى من المحافظين من خارج التنمية المحلية إلا ما ندر. وتنحصر حيثيات الاختيار فى القدرات الإدارية أو التفوق الوظيفى فى جهة العمل السابق والانضباط وحسن السمعة دون أي إشارة إلى الخبرة المتراكمة المتخصصة فى التنمية، التى هى أساس العمل، بمفهومها العلمى والعملى على أرض الواقع والذى يتوافق مع كون مفهوم التنمية أصبح علما دقيقا متخصصا لا يمكن ادعاء معرفته لمجرد امتلاك بعض صفات الإدارة الناجحة إلا على أسس علمية واضحة تتداخل بين التخطيط، والعمران، البيئة، الاقتصاد، الإدارة، العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية. إن الهيكل الوظيفى الحالى لوزارة التنمية المحلية مازال يعتمد أساسا على »الندب« من وزارات وجهات أخرى على مستوى المدن والمحافظات أى أن رئيس القرية غالبا ما يبدأ منتدبا وقد يظل رئيسا للقرية حتى إحالته إلى المعاش فى حين يبدأ غيره علاقته بالعمل فى وزارة التنمية المحلية رئيسا للمدينة أو سكرتيرا عاما للمحافظة مقتربا من سن المعاش ثم يأتى نائب المحافظ والمحافظ ليبدأ علاقته بالتنمية المحلية غالبا بعد الإحالة إلى المعاش أو قبلها بقليل. وهذا النظام لم يطرأ عليه تعديل منذ بداية الحكم المحلى فى ستينيات القرن الماضى. والذى كان يمثل ضرورة فى حينه نظرا لحداثة نشأة الوزارة وبالتالى لم يكن هناك سبيل آخر إلا الندب والنقل من جهات أخرى بهدف بناء الوزارة وليس كسياسة ثابتة تعيش عليها الوزارة لأكثر من خمسة وخمسين عاما وحتى الآن. والنتيجة الطبيعية لذلك كما أشرنا من قبل ألا نجد موظفا بدأ حياته فى الوزارة ثم ترقى وتراكمت لديه الخبرة فى تخصصه التنموى وشغل المناصب القيادية العليا فى نفس الوزارة. ----------------------------- وزير الإسكان ومحافظ دمياط الأسبق لمزيد من مقالات د. محمد فتحى البرادعى