فى فضيحة جديدة تكشف عن استغلال السلطة وتضارب المصالح فى الكواليس السياسية بفرنسا، وتعد الأكبر منذ تولى ماكرون الرئاسة فى مايو 2017، أقيل قبل أيام الكسندر بينالا، أحد المعاونين الأمنيين للرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون، وهو الذى حاز على ثقته أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، ثم عينه ماكرون كمساعد لمدير مكتبه بالإليزيه بعد فوزه بالرئاسة، كما يعتبر بينالا، 26 عاما، وبصفة ضمنية-بمثابة رئيس للحرس الخاص لماكرون. وتأتى إقالة بينالا بعد أن تكشفت فضائح استغلاله السلطة ثم جاء انتحاله شخصية شرطى كالقشة التى قسمت ظهر البعير لتهز كيان الحكومة, حيث شبهتها المعارضة بفضيحة «ووترجيت»، كونها تنال من احد المقربين من ماكرون. وتفاقمت القضية بعد تداول فيديو لبينالا وهو يتعدى بالضرب والركلات على احد المتظاهرين فى عيد العمال «1 مايو» ولَم يقف الأمر عند هذا الحد بل ظهر وهو يرتدى شارة يضعها الشرطى على ذراعه إضافة إلى استخدامه خوذة تخص شرطة الدراجات البخارية. وبالطبع سبب هذا الفيديو حرجا شديدا للاليزيه ولَم يتجرأ أحد حتى على التعليق عليه، والمعروف عن ماكرون منذ توليه الرئاسة أنه لا يحبذ رد الفعل تحت الضغط، ولا سيما الضغوط الإعلامية أو الحزبية، وبالرغم من انه أبدى استجابة فى الفترة الأخيرة، حيث كان ينتهز فرصة تنقلاته للرد على تساؤلات الصحفيين، إلا انه رفض خلال زيارة إلى منطقة دوردونيه «جنوب غرب»، الرد على العديد من الأسئلة حول المعلومات التى كشفتها صحيفة «لوموند» فيما يخص القضية، واكتفى بالقول إن «لا شيء قادرا على المساس بالجمهورية»، وحول سياسة الصمت التى التزمها ماكرون والتى أثارت جدلا شديدا خاصة فى صفوف المعارضة، يرى البعض من المسئولين ان هناك تحقيقات على كافة المسارات وبالتالى ليس من الضرورى أن يصدر الرئيس موقفا علنيا فى الوقت الحاضر بشأن معاونه السابق المحتجز رهن التحقيق، حيث بدأ القضاء والبرلمان التحقيقات فى القضية إلى جانب تحقيق الشرطة. ونقلا عن مصدر من الإليزيه، أكد ماكرون ضرورة كشف الحقائق وأن ينال المتجاوزون عقابهم دون إفلات، وعلى نفس الصعيد اتهمت السلطات شخصا آخر وهو فنسان كراز الموظف لدى حزب «الجمهورية إلى الأمام» الحاكم ب «ارتكاب أعمال عنف جماعية» و«التدخل فى أداء وظيفة عامة» وأيضا «حمل سلاح محظور من الفئة ب». أما بالنسبة للشرطيين اللذين تم وقفهما أيضا عن العمل، فقد وجهت إليهما اتهامات «استخراج صور من نظام مراقبة عبر الفيديو» و»انتهاك سرية العمل». وعلى صعيد الاليزيه، طلب الرئيس ماكرون من الأمين العام للقصر إجراء عملية إعادة هيكلة للحيلولة دون تكرار مثل هذا الخلل مستقبلا، وكان ذلك خلال ترؤسه اجتماعا فى قصر الإليزيه شارك فيه رئيس الوزراء إدوار فيليب ووزير الداخلية جيرار كولومب والمتحدث باسم الحكومة بنجامين جريفو ووزير الدولة لشئون البرلمان كريستوف كاستانيه. ومما لا شك فيه أن هذه القضية أثارت بلبلة فى برنامج العمل السياسى بفرنسا وأحدثت شللا فى البرلمان، فقد تم تعليق المراجعة الدستورية حتى إشعار آخر بسبب الفوضى الناجمة عن الفضيحة، فى وقت تعالت فيه الأصوات المطالبة بسحب مشروع التعديل الدستوري. ومما فاقم الأوضاع سوءا ان بينالا له تجاوزات فادحة تحت مسمع وعلم من المسئولين، حيث إنه استغل وضعه كمقرب من الرئيس ماكرون ودأب على استخدام سيارة من تلك المخصصة للإليزيه وكذلك خصصت له شقة كمسكن من تلك المخصصة للعاملين على أعلى مستوى بالدولة. وكشفت التحريات أن لديه تصريحا خاصا لدخول البرلمان يخول له حضور جلساته وهذا الأمر بالذات اعتبرته المعارضة خرقا فجا للقواعد والأعراف، بل استغلته مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية لليمين المتطرف أسوأ استغلال للتشهير بحزب الأغلبية الحاكمة المعروف ب «حركة إلى الأمام» وبالرئيس ايمانويل ماكرون نفسه، وكانت تصريحاتها الهجومية عليهما محط اهتمام الإعلاميين وحرص العديد من القنوات الإخبارية للتليفزيون الفرنسى على بثها. وبإلقاء نظرة سريعة على المناخ السياسى بفرنسا، نلمح انه على الرغم مما تتسبب فيه هذه القضية من جدل شديد على الساحة إلا أنها تظهر أيضا مدى الالتزام والتطبيق السليم للديمقراطية بفرنسا من منطلق ان هذه الديمقراطية تحول دون تفشى المحسوبيات فى اروقة الدولة مهما كانت صفة الفاسدين او درجة قرابتهم للسلطة..فسرعان ما يُكشف عن المستور وتقدم هذه القلة الفاسدة للمحاكمة مهما كانت صفتها. وعلى نفس الصعيد، نجد أنه عندما طالت عواصف الانتقادات جلسات البرلمان الشعب، أعلن فرانسوا دو روجى رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية مؤخرا عن وقف جلسة الحوار تحت قبة البرلمان معترضا على صمت الحكومة باعتبار ان النقاش استمر لأيام متتالية كحوار الطرشان..وقال إن جلسات المجلس «البرلمان» ليس الهدف منها أن تكون مسرحية مصورة ولا للتذكير بالقوانين والمواثيق،مؤكدا على أن البرلمان مكان للحوار والنقاش واتخاذ القرارات. وبناء عليه تم تعليق جلسة النقاش بعد أربعة أيام من اشتعال قضية معاون الرئيس لحين إتمام مساءلة وزير الداخلية جيرار كولومب أمام النواب. وقال كولومب خلال المساءلة إنه أبلغ الرئاسة وكان عليها اتخاذ قرارات سريعة تجاه بينالا، مؤكدا انه لم يتحدث فى الأمر بصفة شخصية مع الرئيس ايمانويل ماكرون. ويرى البعض أن مما ساعد على كشف المستور حول الامتيازات التى كان يحصل عليها بينالا فضلا عن استغلاله للسلطة هو قدر من الضغينة والغيرة التى أثارها لدى عناصر الشرطة والأمن الذين كان مقدرا لهم أن يحتلوا مكانته وسلطاته جنبا إلى جنب الرئيس. وقد استغلت أحزاب المعارضة فضيحة بينالا للنيل من ماكرون وحكومته، ونشير هنا إلى بعض تصريحات كبار المسئولين السياسيين فى فرنسا، حيث يرى لوران فوكييه رئيس حزب «الجمهوريون» من المعارضة اليمينية أن الرئيس ماكرون أثبت فشله فى كافة المجالات، مشيرا إلى أن ألكسندر بينالا سيحاسب أمام القضاء، لكن إيمانويل ماكرون سيحاسبه الفرنسيون، وتساءل فى تصريح لصحيفة لو فيجارو «من كان على علم بالمسألة؟ متي؟ لماذا لم يتم رفع المسألة إلى القضاء؟ لماذا ذهبوا إلى حد استخدام الشرطة لطمس القضية؟ ما هى الأسرار التى يمسك بها بينالا (كزلة على ماكرون) حتى يحظى بمثل هذه الحماية؟». ومن ناحيته، وصف جان لوك ميلانشون زعيم فرنسا الأبية «يسار راديكالي» القضية بأنها ترقى لمستوى فضيحة «ووترجيت»، التى أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون. ورأى ميلانشون أن «وزير الداخلية فقد اعتباره» و«سيستقيل بالطبع، ولن يكون الوحيد»، فيما أكد فوكييه أن أى استقالة «لن تحجب أنه تم توجيه كل شيء من الإليزيه». كما اعتبرت مارين لوبان رئيسة التجمع الوطني«يمين متطرف» أن فى المسألة «أكاذيب من قبل الحكومة، وكذبة عن طريق إخفاء الحقيقة نوعا ما من قبل رئيس الجمهورية، بقدر ما كان فى قضية ووترجيت»، وتابعت أن «صمت» الرئيس يحول قضية بينالا إلى فضيحة دولة». وفى تصريحاته للصحفيين ذكر المرشح الرئاسى السابق نيكولا دوبون إينيان-من دعاة السيادة الوطنية- أنه ينبغى على رئيس الجمهورية مخاطبة الفرنسيين عبر التليفزيون. معتبرا أن الغالبية «لا تعرف كيف يمكنها أن ترد» لأن ماكرون «تصرف منفردا». وفى رد من جبهة الرئيس ماكرون لمواجهة ما بات البعض يعتبره «فضيحة دولة»، اتهم جيل لوجاندر المتحدث باسم كتلة نواب الجمهورية إلى الأمام «الغالبية الرئاسية»، المعارضة، ب«استغلال» القضية لأنها «لم تتخط بعد الهزيمة النكراء» التى لحقت بها فى الانتخابات التى جرت قبل عام، واضاف أنه «لن يتم طمس أى شيء» بعدما كان رئيس الوزراء إدوار فيليب قد أكد مؤخرا أنه «سيتم الرد على جميع الأسئلة «وأن الرد سيكون «واضحا» و«شفافا».