رحل عن عالمنا أحد أهم المفكرين المصريين في القرن العشرين وبداية الحادي والعشرين: هو الدكتور أنور عبد الملك الذي أثري الأهرام بفكره العصري وبصيرته التحليلية علي مدي ثلاثين عاما. كما أثري المكتبة العربية والعالمية بامهات الكتب في الفلسفة وعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية والإنسانية والسياسة... عندما قرأت رحيله بالصفحة الأولي بالأهرام, تنفست الصعداء أن جثمانه سوف يواري تراب مصر بعد أن توقف قلبه بباريس, ذلك لأن أنور عبد الملك كان وطنيا مصريا ومثقفا رفيع المستوي حمل علي أكتافه هموم الوطن عبر مشوار الأكاديمي والسياسي منذ ان حصل علي ليسانس الآداب في الفلسفة. ثم الدكتوراه في علم الاجتماع ودكتوراه الدولة في الآداب من السوربون. لقد قدمه لي في باريس في منتصف السبعينيات الكاتب الصحفي الراحل العظيم عبدالملك خليل وتوطدت علاقاتنا عبر السنوات لأنني كنت مولعة بالمعرفة.حيث كان أنور لا يبخل بها علي جيلنا, إلي الحد الذي كان يجمع الباحثين والصحفيين كل أسبوع علي فنجان شاي وسط مدينة القاهرة أو بمنزله الكائن بحي مصر الجديدة, وأتذكر مواظبة الزميل الراحل رضا هلال علي تلك الأمسيات, حيث كان أنور ينتقل بين القاهرة وباريس. عاشقا للعاصمتين وإنما مال للقاهرة بعد أن خيب آماله الغرب وارتمي في احضان المجتمع الآسيوي منبهرا بالحضارة الآسيوية التي كان يعرف أدق تفاصيلها بفضل تقلده منصب استاذ علم الاجتماع السياسة بكلية العلاقات الدولية بجامعة كيوتو باليابان.. ولعل أهم حقبة في حياته الأكاديمية كانت الفترة التي عمل فيها استاذا بالمركز القومي للبحوث العلمية في باريس منذ عام0691 إلي أن أصبح مدير أبحاث فخريا بنفس المركز عقب المعاش. أما المسيرة الذاتية لأنور عبدالملك فهي فريدة من نوعها, فكان عضوا في الاتحاد العالمي لعلم الاجتماع, واستاذا بارزا بجامعة الأممالمتحدة التي ساهم في تاسيسها, وعضوا بالأكاديمية الاوروبية للفنون والعلوم والآداب. ولاشك ان د. أنور عبدالملك لابد أن يكون مرجعا أساسيا لكل مصري في هذه الحقبة الحساسة من تاريخ بلادنا وبالذات بعد ثورة52 يناير.. ولقد انبهر الغرب بفكره وعلمه وعطائه الأكاديمي وتتلمذ كثيرمن الفرنسيين علي يده والكوادر الوطنية التي درست بباريس وداعا ياصديقي العزيز.. فرغم مشروعك الحياتي والعلمي العظيم لم تستطع ان تسد وحشة الوحدة التي عانيت منها في نهاية حياتك, ربما لأنك كنت قبل أي شيء راهبا في محراب العلم والفكر والمعرفة الموسوعية. المزيد من مقالات عائشة عبد الغفار