لقى فوز د. عبد الحكيم راضى بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب ارتياحًا شديدًا فى الأوساط الثقافية، مع يقين تام بأن هذا الفوز تأخر كثيرًا، فقد أثرى د. راضى المكتبة العربية على مدى ما يقارب من نصف قرن بعشرات المؤلفات فى النقد والبلاغة والتراث، وتخرج على يديه أجيال من النقاد، مما جعل العديد من الجامعات ترشحه لنيل هذه الجائزة على مدى السنوات الماضية، ولكن لم يحالفه التوفيق حتى فاز بها هذا العام.. كما حصل راضى على العديد من الجوائز منها جائزة باشراحيل فى النقد الأدبى عام 2014، والجائزة التقديرية لجامعة القاهرة، بالإضافة إلى جائزة التميز من اتحاد الكُتَّاب، فضلًا عن تكريمه من قِبل عدة مؤسسات أدبية وثقافية كان آخرها الجمعية المصرية للأدب المقارن، وكرمته أيضًا الدورة السابقة لمعرض الكتاب عن كتابه «دراسات فى النقد العربي.. التاريخ المصطلح المنهج». الأهرام أجرت معه هذا الحوار: ماذا يمثل لك الفوز بجائزة الدولة؟ أشعر بالسعادة والرضا لأقصى حد، فهو تقدير وتكريم أعتز به، وكنت قد رُشحت عدة مرات لتلك الجائزة من قِبل جامعات، كثيرة ولكن لم يحالفنى التوفيق آنذاك، وشاء الله أن أنالها تلك المرة بعد غياب، وبعد أن شعرت أنى أصبحت منسيًا أو غير محظوظ، لهذا فهى تمثل لى تطبيقًا عمليًا لمقوله «من جد وجد»، وتؤكد أنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح. بصفتك أحد أبرز المهتمين بتراثنا الأدبى العربى الثري، هل ترى أن توجه النقاد العرب إلى المناهج النقدية الغربية قد أفاد حركة الأدب أم أضرها؟ من حيث المبدأ لا يمكن أن يكون التوجه إلى المناهج الغربية الحديثة سببًا فى إلحاق الضرر بالحركة النقدية العربية، ولكن السؤال هو لماذا نتوجه لهذه المناهج؟ هل لنقلدها أو لنفيد ونثرى ما عندنا ونأخذ الجيد منها وندع ما لا يناسبنا؟ هناك انفصال كبير بين الشباب من خريجى أقسام اللغة العربية والتراث، بم تنصح هؤلاء الشباب؟ يجب أن يتشرب هؤلاء الشباب من معلميهم الإيمان بقيمه تراثهم وتاريخهم، وأن يكونوا على ثقة فى أن مجال الإنسانيات «الاجتماع والأدب والتاريخ» لا يمكن الفصل بين الحاضر والماضي، بل إن الماضى دائمًا يكون منارة تضيء الحاضر الذى يضيء بدوره المستقبل، فإذا آمن الشباب بقيمة تراثهم وأقبلوا على قراءته بثقة ورغبة صادقة فى الإفادة منه، فلا شك أنهم سيجدون فيه خيرًا كثيرًا وزادًا غنيًا يثرى معارفهم ويوسع مداركهم، ويساعد على توسيع خيالهم وتنمية إبداعاتهم. دراسة المصطلح.. إلى أى مدى تفيد فى عملية النقد الأدبي؟ دراسة المصطلح بطبيعة الحال مهمة لأن مؤسسى العلوم عادة يهتمون بترسيخ مصطلحاتهم، فعندما يتكلم «قدامه» عن نقد الشعر، ويتكلم «ابن المعتزب »عن مصطلح البديع، ويتكلم آخرون فى التاريخ النقدى عما سموه عمود الشعر، فكل هذه المصطلحات حرص أصحابها على ترسيخ مدلولاتها لأن المصطلح هو الرمز الذى يستخدمه أصحاب التخصص فيما بينهم ليميز بعضهم عن بعض، فالمصطلح نوع من التعاقد بين المتخاطبين على مدلولات هذه المصطلحات أو الرموز المعينة التى تشيع فى مجال علم من العلوم، وعلى الجميع أن يحترم مدلولاتها عند التخاطب، فلا يتكلم أحد عن مصطلح بمعنى من المعانى ويأتى الآخر ليتكلم عنه بمعنى آخر، لأنه لو حدث هذا فستشيع الفوضى فى مجال التخاطب فى العلوم المختلفة. فى كتابك «دراسات فى النقد العربي.. التاريخ - المصطلح المنهج» فصل ثرى عن شخصية الناقد، ألا ترى أنها أصبحت «مجامِلة» بشكل أضر كثيرًا بحركة النقد؟ لا شك أن الناقد فى المقام الأول إنسان، وعلى قدر إيمانه بمسئولياته فى الحكم والتقويم والبعد عن الهوى يكون صدق أحكامه وبُعدها عن المجاملة، أما عن الناقد الآن قد أصبح مجاملا فهل خلا النقد فى الماضى من المجاملة؟ لا أظن هذا. فالمسألة نسبية بين عصر وآخر، ونحن فقط لا نملك إلا توجيه النصح للنقاد بعدم المجاملة. تحدثت كثيرا عن الرابط بين الأدب ونظرية الصنعة بالنظر لما جاء عند عبد القاهر الجرجاني، هل يمكن تبسيط ذلك للقارئ؟ مصطلح الصنعة يستخدمه البعض بمعنى أقرب إلى عدم الارتياح ويربطون بينه وبين التكلف. الآخرون يرون أن كلمة الصنعة بمعنى إيجاد العمل وإتقانه والأخذت بأسباب النجاح فيه، وعندما تكلم النقاد العرب القدماء كانوا ينحون هذا المنحي، أى يعدون الصنعة وإتقانها صفة أساسية ومقدرة خاصة يجب أن يمتاز بها المبدع لأنه يتقن معرفة تراثه وأدواته ولغته ومصادر إبداعه وغير ذلك، ويمتاز بها أيضا الناقد الذى يعرف أصول صنعته ويحتكم إليها عند تقويم الأعمال الأدبية. فهناك كتب الصناعتين للعسكري، صنعة الشعر، والعمدة فى صناعة الشعر ونقده، فالصناعة هنا تعنى المعرفة بأصول الفن التى ينبغى أن يكون الناقد متضلعا منها، أى ممتلئا وعارفا بها تمام المعرفة. «تجديد الشعر فى ضوء التراث» قضية مهمة تشغل حيزا كبيرا من اهتمامك، لكن هل ترضى الأجيال الجديدة من الشعراء بتقييم منجزها «الإبداعي الجديد» انطلاقًا من التراث؟ يرضون أو لا يرضون، هذه قضية تخصهم ولا ينبغى أن تُفرض عليهم فمن المستقر فى نظريات الإبداع أنه لابد للمبدع أن يكون ممتلئا بتراث الفن الذى برع فيه، بمعنى أن الشاعر يكون مطلعا على تراث الشعر، والقصاص يكون مطلعا على تراث القصة، والمسرحى مطلعا على تراث المسرح وهكذا، فالمبدع لابد له من إطار مرجعى ولابد أن يقرأ فى تراثه وتراث الفن الذى وهب نفسه له ويكون ملما بلغته فى مختلف عصورها ومختلف مجالاتها الإبداعية. كتابك «مسافر زاده الحب» يدل على تمكنك علميا وإنسانيا من قلوب تلاميذك، ماذا يمثل لك هذا العنوان؟ مع بداية قصيدة «النهر الخالد» للشاعر العظيم محمود حسن إسماعيل التى غناها الموسيقار محمد عبد الوهاب رحمه الله وبدأها «بمسافر زاده الخيال» فقد استهوانى هذا العنوان، وأيضا إحساسى الخاص عندما وصفت نفسى بأنني «مسافر زاده الحب» يتزود بالحب ويتغذى به ويجد نفسه يعيش عليه، وأكد العنوان أنى محبوب من تلاميذى الذين أعتبرهم أبنائي، فأنا صادق فى هذا العنوان والذى كتبته أيضا تأثرا بكلمة أستاذى حسين نصار- رحمه الله - التى أهدانى إياها لافتتاح هذا الكتاب، أبدى من خلالها مدى حبه لي، وأيضا كان تعبيرا منه بكونى محبوبا من أساتذتى وطلابي، فهذا العنوان جزء من نفسى وأنا اعتز به جدا. ما هو أقرب أعمالك إلى قلبك؟ جميع أعمالى قريبة إلى قلبى بشكل عام، لأنى لا أكتب إلا فى موضوعت يكون قد استغرق تفكيرى تماما وتعلقت به وحاولت أن أقول فيه شيئا مفيدا، ولكن من كتبى ما نال شهره أكبر وأوسع مثل كتاب «نظرية اللغة فى النقد العربي»، «النقد العربى وشعر المحدثين فى العصر العباسي» أيضا «النقد الإحيائى وتجديد الشعر فى ضوء التراث»، «دراسات فى النقد العربى .. التاريخ.. المصطلح.. المنهج». ما رأيك فى تحويل جائزة نجيب محفوظ إلى جائزة عالمية؟ محفوظ اسم كبير ورمز تفخر به مصر ونعتز به جميعا، وأن تخرج جائزة عالمية فى الإبداع من مصر باسمه فهذا شيء جيد، فمصر ولادة وتحوى أسماء كبيرة وعظيمة نتشرف بها. ما هى المشاكل أو العراقيل التى يواجهها الأدباء اليوم من وجهة نظرك سواء على المستوى المحلى والعربي؟ انحطاط المستوى الثقافى والتعليمى بشكل عام حيث لا يجد الأديب المبدع القارئ المناسب والمتابعة الجيدة لأعماله، كما لا يجد الباحث فى النظرية الأدبية أو فى النقد من يهتم بنشر أعماله أو بقراءتها، وأتصور أنه لولا عمليات الدعم الحكومى فى الوطن العربى للمجلات والصحف وللأعمال الأديبة الراقية لما كانت هناك حركة نشر حقيقية. أين تقع الرواية والقصة من اهتماماتك النقدية؟ لا أدعى أنى بذلت فى هذا السبيل الجهد المناسب، فأنا كتبت فى مرحلة ماضية عن القصص القصيرة لصديق عزيز لي، هو القاص والمبدع زهير الشايب رحمه الله وكان لى أيضا مشروع دراسة عن قصة محمود تيمور بعنوان «كليوباترا فى خان الخليلي» لكنى لم أكمل تلك الدراسة لظروف حالت بينى وبين إتمامها. «ولكنى لا أقول إنى أعطيت لفن الرواية والمسرح الاهتمام الكافي، ربما أبعدنى عنه الاهتمام بالتراث العربى والأنواع الأدبية التى سيطرت على هذا التراث ومحاوله فهمه وفهم التراث النقدى العربى والتراث العربى البلاغى والنظريات النقدية القديمة والحديثة». ما الذى يشغلك الآن؟ أقوم حاليا بكتابة العديد من الأعمال فى محاولة لتجسيد أفكارى بكتابات تترجم ما يجول بخاطري، وأرجو أن يسعفنى الوقت والعمر لإنجازها بعون الله.