يكتسب تطوير الثقافة السياسية فى المجتمع المصرى أهمية كبيرة فى هذه المرحلة من تطورنا الاقتصادى والاجتماعى والسياسي. فالثقافة السياسية ركن أساسى من الديمقراطية، لأن الديمقراطية هى فى جوهرها طريقة فى الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وإدارة صراعاته بوسائل سلمية، وهى بهذا المفهوم تتطلب سيادة قيم معينة ومؤسسات وآليات تضع الديمقراطية بهذا المفهوم موضع التطبيق، ويتطلب إشاعة ثقافة سياسية ديمقراطية فى المجتمع إنجاز ثلاث مهام أساسية هي: إشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية فى المجتمع. والاهتمام بتربية المواطنين لتمثل هذه الثقافة وقيمها فى حياتهم اليومية وفى علاقتهم بالآخرين. وتدريب المواطنين عمليا على الممارسة الديمقراطية واكتسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومى الذى يقومون به فى مختلف مجالات الحياة. وتعتبر مؤسسات المجتمع المدنى الإطار الأمثل للقيام بهذه المهام، لأنها تقوم أيضا على القيم الديمقراطية ولأنها تجتذب إلى عضويتها دائرة واسعة من المواطنين الذين يسعون إلى الاستفادة من خدماتها، أو ممارسة نشاط جماعى للدفاع عن مصالحهم، أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة. ويتطلب تناول دور المجتمع المدنى فى تطوير الثقافة السياسية بالمجتمع، أن نبدأ أولا بالتعريف بالثقافة السياسية وأهميتها لبناء الديمقراطية. فالثقافة السياسية هى فى جوهرها معارف وآراء واتجاهات وقيم الأفراد نحو السياسة والحكم. إنها الجانب من الثقافة العامة للمجتمع الذى يتعلق بمعارف وآراء وقيم واتجاهات أفراده نحو السياسة والحكم. وهى ظاهرة اجتماعية تمثل وحدة التفكير السياسى والممارسة العملية، وهدفها تربية المناضلين السياسيين. وتفترض الثقافة السياسية فهم المواطن لأسس بناء ووظائف النظام السياسي، وجميع مؤسساته. والعامل المهم فى الثقافة السياسية يتمثل فى الثقافة الحقوقية، ومعرفة المواطنين حقوقهم وحرياتهم وطرق وأساليب ممارستها. وليس فى مقدرة أى نظام سياسى أن ينمو أو يظل فى تكامله ما لم تنتشر بين أعضائه المفاهيم والمعارف المتعلقة بشئون السياسة. تكتسب الثقافة السياسية قيمتها الحقيقية بقدر ما توفره للإنسان من قدرة على فهم الواقع، والإحاطة به، واكتشاف تناقضاته الأساسية ومشكلاته الكبري، ومن ثم تتوافر له القدرة بعد تفسير الواقع على تغييره بطرح الحلول الملائمة لمشكلاته وتصفية تناقضاته. ومن جانب آخر تتأكد علمية الثقافة السياسية عندما يستند أصحابها إلى العلم فى تفسير ظواهر الواقع وعلاقاتها، فالعلم هو القوانين التى تحكم وجود وتطور الظاهرة من داخلها وفى علاقاتها بالظواهر الخارجية. ولما كان المجتمع هو المجال الأساسى للثقافة السياسية، فإن العلوم الاجتماعية والسياسية وعلم الاقتصاد السياسى هى الكفيل له بإكساب هذه الثقافة مضمونها العلمي، عندما يستند إليها فى فهم ظواهر المجتمع وعلاقاتها، خاصة وأن هذه العلوم هى التى تدرس وتفسر فى الأساس تطور الهيكل الاجتماعى لمجتمع ما، بنيته الطبقية، طبيعتها، وعلاقاتها، والتحولات التى تطرأ عليها، وما يعكس ذلك من ظواهر اجتماعية سلبية أو إيجابية على مجمل جماعات وأفراد المجتمع، بحكم تقدمه أو تطوره، تيسيرا أو تعويقا لهذا التطور. وللثقافة السياسية بعد آخر فهى أيضا جزء من التوجه العام للمجتمع، يعكس الماضى والحاضر، وربما تطلعات المستقبل أيضا. وهى متغير مصاحب لعدد كبير من المتغيرات المجتمعية، يظهر فيه التأثير الواضح للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العامة والعقائدية، كما يظهر فيه أيضا نمط الحكم الذى يحدد طبيعة الفعل السياسي، ويؤثر سلبا أو إيجابا على مساحة الديمقراطية، وحجم الممارسات ونوعها، وما قد يترتب على ذلك من نوعية محددة للمشاركين فى القرار. وعندما نتحدث عن دور المجتمع المدنى فى تطوير الثقافة السياسية، فإننا نعنى بذلك الثقافة السياسية الديمقراطية، التى يسهم انتشارها وتطويرها فى تمكين الشعب من القيام بدور أساسى فى التأثير على القرار السياسي، وأن يكون بما يتوافر لديه من معارف وآراء وتوجهات قادرا على اختيار حكامه ومحاسبتهم وتغييرهم دوريا من خلال انتخابات حرة ونزيهة، باعتبار هذا الحق هو جوهر الديمقراطية. ولعل المتابع لما يدور فى المجتمع المصرى حاليا يكتشف حاجتنا الملحة الى نشر الثقافة السياسية بأوجهها المختلفة، وتشجيع المجتمع المدنى على تعميق هذه الثقافة فى المجتمع المصرى كمقدمة لتحول هذا المجتمع الى مجتمع ديمقراطي. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر