العلاقة بين الإنجاز والانتماء علاقة طردية تفاعلية, فحب الوطن وحسن الانتماء إليه والولاء له والحرص على رفعة شأنه يولد حماسا , ويحمل صاحبه أمانة ومسئولية تجعله يتفانى بل ينصهر ليرفع اسم بلده عاليا , كل في مجاله وميدانه , العالم بعلمه, والطبيب بطبه, والعامل بجهده وعرقه, والصانع بمهارته وصنعته, والجندي بفدائه وتضحيته وسهره على حماية وطنه, والمسئول بتفانيه في خدمة وطنه, وإيثاره للمصلحة العامة على الخاصة, والمبدع بإبداعه ومهارته, والأديب بفنه وقلمه, ولا سيما عندما يتصل بالأمر بالعالمية , التي يحمل منها الإنسان اسم بلده وعلمها ليرفعه عاليا خفاقا في المحافل الدولية, ويتغنى مترنما بنشيد بلده الوطني زاهيًّا مفتخرًا معتزًا بعلم بلاده ونشيدها, ليختطف معه أفئدة كل وطني محب لوطنه, وليعزز بتمثيله المشرف قيم الولاء والانتماء الوطني. وإن أبناء الوطن الحقيقيين لتعروهم هزة ونشوة خاصة بكل إنجاز أو ازدهار أو انتصار يحققه أحد أبناء الوطن أو مجموعة منهم , ويرونه عزًّا وفخرًا لهم جميعا, ورفعا لاسم بلدهم وعلمها الذي يعتزون به عاليا خفاقا, ويزيدهم كل ذلك ولاء وانتماء لوطنهم . الإنجاز روح تسري وتتدفق وتنتقل من مجال إلى مجال, فالإنجاز في مجال الأدب أو الفكر أو الرياضة أو الطب أو الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء لا يمكن أن يقف عند حدود هذا المجال أو ذاك, إنما هو روح ونشوة تسري في دماء وعروق أبناء المجتمع, تنتقل من مجال إلى آخر، ومن علم وفن إلى آخر، ولا سيما عندما يكون محقق الإنجاز شديد الانتماء لوطنه والاعتزاز به, كريم الخلق، حسن السيرة, فيصير أنموذجا وطنيا عظيما, وقدوة وطنية صالحة راقية, ولا سيما للنشء والشباب, في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى القدوة , وإلى الإفادة من تأثير الرموز الوطنية في تعزيز قيم الولاء والانتماء ، والطموح والإنجاز. على أننا يجب أن نعلم أن الانتماء للوطن ليس مجرد كلام أو عواطف, الانتماء عطاء, الانتماء الحقيقي يعني أن يكون الإنسان مهموما بشئون وطنه : يفرح بفرحه, ويألم لما يحل به من نوائب أو صعوبات, ويعمل دائمًا على الإسهام في تقديم الحلول لها, ويكون على استعداد للتضحية بنفسه وماله وجهده وعرقه في سبيل وطنه، فهو دائمًا جزء من الحل لا المشكلة ، وعامل بناء لا هدم. على أننا في حاجة إلى تعهد شبابنا، ورعايتهم لنصنع منهم قادة المستقبل ورموزه الوطنية في جميع المجالات، وعند إعداد قيادات المستقبل لا بد من توافر صفات ومقومات ، يأتي في مقدمتها العلم, والأمانة, والوطنية, والثقافة , والقدرة على التحمل، وعلى اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة، وفعل ما يجب أن يفعل في الوقت الذي يجب أن يفعل فيه دون توانٍ أو تأخر أو طيش أو تهور. وقد لفت القرآن الكريم أنظارنا إلى أهم مقومين من مقومات إعداد القادة واختيارهم, وهما القوة والأمانة, أو الحفظ والعلم, حيث يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان ابنة شعيب عليه السلام في شأن سيدنا موسى (عليه السلام) » قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ« (القصص : 26) , ويقول سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) في مخاطبة عزيز مصر : «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ« (يوسف : 55) , فالأمانة وحدها لا تكفي والكفاءة بلا أمانة لا تجدي. ومن خلال هاتين الصفتين لا بد من توافر صفات ومقومات تفصيلية وفق طبيعة المهمة التي توكل إلى كل قائد أو مسئول ودرجة المسئولية وحساسية المهام المنوطة به ومن أهمها : التفاني والإخلاص في العمل, والقدرة على تحمل الضغوط والتعامل مع الأزمات وحسن معالجتها , والرؤية السياسية, والإلمام بمتطلبات الأمن القومي والتحديات المعاصرة, والقدرة على العمل بروح الجماعة والفريق, والتميز في مستوى الوعي والثقافة العامة، وفوق كل ذلك إيثار المصلحة العامة على جميع المصالح الشخصية الضيقة المحدودة . والخلاصة.. أن روح الانتماء تعطي صاحبها طاقة قوية لتحقيق الإنجاز، وأن الإنجازات الوطنية الكبرى المتتابعة تعمق وترسخ روح الولاء والانتماء الوطنى. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف