إذا كان من يمتلك غذاءه يمتلك قراره، فإن وجود فجوة غذائية فى العالم العربى تصل لنحو 30 مليار دولار سنويا هى الفرق بين الصادرات والواردات العربية، يمثل مشكلة خطيرة اجتماعيا وسياسيا وأمنيا. المسألة الغذائية تفجر بالضرورة، مسألة الماء،العنصر الأساسى للزراعة القادر على سد تلك الفجوة الغذائية. ولا تقتصر أهمية المياه على الزراعة، فهى ضرورة للتصنيع، فضلا عن أهميتها لتلبية الاستهلاكات البشرية. رغم ذلك ومع الأسف فإن مشكلة المياه ليست من المشكلات التى تعطيها الحكومات والمنظمات العربية الأولوية القصوى التى تستحقها. المشكلة تتفاقم وأصبحت تقتضى وقفة علمية جادة توضح أبعادها. نشير إلى بعض الحقائق التى تؤكد خطورتها: مشكلة المياه فى الوطن العربى ذات أبعاد كثيرة. 80% من المساحة الكلية للوطن العربى تقع فى المناطق المناخية الجافة وشبه الجافة التى تتسم بسقوط متذبذب للأمطار على مدى السنة، وبالتغير فى كمياته من سنة إلى أخرى. المساحة الإجمالية للوطن العربى نحو 1402 مليون هكتار (أى ما يعادل نحو 14 مليون كيلو متر مربع)، وهى تمثل نحو 10.2% من مساحة العالم. ولا تتجاوز مساحة الأراضى القابلة للزراعة منها سوى 197 مليون هكتار وهو ما يعادل نسبة 14.1% من المساحة الكلية للوطن العربى. وإذا كانت مساحة الوطن العربى تمثل 10.2% من مساحة العالم فإن موارده المائية لا تمثل سوى 0.5% من الموارد المائية المتجددة العالمية تشير الإحصائيات إلى أن المساحة الزراعية الكلية فى المنطقة العربية وصلت عام 2000 نحو 70 مليون هكتار فقط، ويعنى ذلك أن نحو ثلثى الرقعة الأرضية القابلة للزراعة فى الوطن العربى غير مستغلة. فى عام 2005م بلغ عدد سكان الوطن العربى 300 مليون نسمة فإن عجز الموارد المائية العربية وصل إلى 127 مليار م3، وذلك لأن حجم الموارد المائية المتاحة تبلغ 338 مليار م3 سنويا لا يستثمر منها إلا 173 مليار م3! لا يتجاوز معدل حصة الفرد العربى حاليا من الموارد المائية المتاحة، حدود 1000م3 سنويا، مقابل 7000م3 للفرد كمتوسط عالمى. التنبؤات المستقبلية تشير إلى أن هذا المستوى سوف ينخفض إلى حدود 460م2 فى السنة بحلول عام 2025، وأن أكثر من نصف الوطن العربى سوف يقع تحت خط الفقر المائى. تضاف إلى ذلك احتمالات تناقص كميات المياه التى ترد من الخارج بسبب بعض الخلافات مع دول الجوار المشتركة فى مصادر هذه المياه، والتى تمثل 50% من المياه المتاحة عربيا والواردة أساسا من نهر النيل ونهرى دجلة والفرات. بالإضافة إلى ذلك فإن 67 % من مياه الأنهار فى البلدان العربية تأتى من خارجها. هذا بالإضافة ألى أن الزيادة السكانية المطردة يقابلها تناقص فى نصيب الفرد من المياه بسبب محدودية مواردها،والصراع حولها. يشير إحصاء تقديرى لتعداد السكان فى العالم العربى عام 2030 إلى زيادة تقدر بثلاثة أمثال ما كان عليه عام 1990. معظم الاتفاقات حول الأنهار الدولية فى الشرق الأوسط وقعت بين الدول الشرق أوسطية وبين دولة عظمى أوروبية، أو بين دولتين أوروبيتين كانتا تسيطران على أراضى المنطقة، كالاتفاق على استخدام مياه نهر الفرات ونهر اليرموك فى الأردن الذى وقع بين فرنسا وبريطانيا، ووثيقة أخرى وقعت بين مصر وبريطانيا سنة 1929، حددت توزيع المياه بين مصر ومناطق الانتداب البريطانى فى السودان. هذه الاتفاقيات لم توقف النزاعات الكبيرة حول ما يتعلق باستغلال مياه الأنهار الدولية. نشير إلى أحد هذه النزاعات المعقدة هو استخدام مياه نهر الأردن، الذى يرتبط حل مشكلته بحل النزاع العربى الإسرائيلى. نهر الأردن، الذى ينبع فى سورياولبنان ويجرى فى فلسطين يبلغ إيراده السنوى 1.3 مليار م3 سنويا وهو أكثر أنهار المنطقة إثارة للجدل والنزاع، وقد أدت مشروعات لبنان لجر مياه نهر الوزانى إلى القرى اللبنانية إلى أزمة وتدخل أمريكى بالرغم من أن لبنان يحاول استغلال جزء من حصته المقررة له فى النهر. رغم هذه الحقائق المؤسفة فإن العالم العربى لا يستغل من موارده المائية سوى 50% فقط والباقى معرض للهدر والضياع. أين جامعة الدول العربية؟ هناك دراسات وأبحاث كثيرة حول الأحوال المائية فى الوطن العربى أشرنا إلى بعض ما جاء بها كلها تؤكد خطورة الموقف وارتباطه باستمرار الحياة والأمن القومى رغم ذلك فإن مشكلة المياه لا تجد ما تستحقه من أولوية فى اهتمامات واجتماعات الحكومات العربية. ولا يمكننا إلا أن نتساءل أين جامعة الدول العربية من كل هذا.. هل عقدت اجتماعات قمة لمواجهة الحالة المائية المتردية فى العالم العربى ووضع خطة علمية عملية تقوم على التنسيق والاستفادة المتبادلة من الخبرات فى مجال إذابة ملوحة مياه البحار والمحيطات وفى استخدام التقنية فى الرى والزراعة، وإنتاج وتصنيع الأدوات الصحية الموفرة للمياه ونشر ثقافة ترشيد الاستهلاك ووسائله وتعريف المواطن بدوره فى الحفاظ على كل نقطة ماء. أجراس الخطر تدق والأرض تئن لكن الآذان العربية لا تسمع. الحالة المائيه العربية متدهورة صعبة معقدة لكن التصدى لها ليس مستحيلاً بل متاح وممكن متى توافر إعمال العقل واستيعاب العلم والإرادة السياسية والحكم الرشيد. لمزيد من مقالات ◀ د. ليلى تكلا