شهد العالم خلال العقود القليلة الماضية طفرة تكنولوجية هائلة سهلت حياة البشر، وتزايد معها الاعتماد بشكل كبير على التكنولوجيا فى جميع مناحى الحياة من أجهزة كهربائية وإلكترونية وهواتف محمولة، لكن هذه الطفرة صاحبتها قضية بيئية عالمية تمثلت فى كيفية التخلص من عوادم التكنولوجيا المعروفة بالمخلفات الإلكترونية التى تحتوى على مواد سامة ضارة بالبيئة وتنعكس آثارها السلبية على صحة الإنسان. فى تقرير لها حذرت الأممالمتحدة من خطورة تراكم المخلفات الناتجة عن الإلكترونيات، وقالت إن هناك نحو 50 مليون طن منها فى جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع نمو هذا الرقم بشكل كبير خلال العقود المقبلة، كما حثت على ضرورة تحسين طريقة إعادة تدوير تلك المخلفات التى غالبا ما تكون خطيرة الأمر الذى يمكن أن يتسبب فى تسرب مواد كيميائية مثل الرصاص والكادميوم إلى التربة والمياه والغذاء، وأضاف التقرير أن مصير 76% من جميع المخلفات الإلكترونية حول العالم غير معروف. إلا أن هذا الأمر لا يخلو من جانب إيجابى إن أحسن الإنسان استغلال الثروات التى تحملها تلك المخلفات بإعادة تدويرها بطرق آمنة وصحية، خاصة مع تزايد استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل هائل، حيث تقدر القيمة الإجمالية لجميع المواد الخ.. أما الموجودة فى المخلفات الإلكترونية ومنها الذهب بنحو 55 مليار يورو. وحول قضية المخلفات الإلكترونية فى مصر وكيفية الاستفادة منها التقت «الأهرام» الدكتور حسام علام المدير الإقليمى لقطاع النمو المستدام بمركز البيئة والتنمية للإقليم العربى وأوروبا «سيدارى» الذى أكد أن هناك أهمية كبرى لصناعات تدوير المخلفات الإلكترونية، وفرص مصر واعدة فى ذلك المجال، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل، مشيرًا إلى إمكان أن تكون مصر مركزا إقليميا للدول الإفريقية والعربية لتدوير هذه المخلفات، كما تعد إحدى آليات إيجاد فرص العمل وحماية صحة الإنسان. وأضاف علام: لقد قمنا بإجراء إحصاء بالتعاون مع جهات ألمانية استنادا للبيانات الخاصة بالجمارك حول حجم الأجهزة الإلكترونية داخل مصر خلال السنوات العشر الماضية والتى تنتهى صلاحية استخدامها خلال السنوات الخمس المقبلة خلص إلى أن لدينا أجهزة تحتوى على ذهب يعادل 300 مليون دولار تعادل إنتاج منجم «السكرى» بدون تكلفة الاستخراج بالإضافة إلى المعادن الأخرى كالفضة والنحاس وغيرهما لكن هذا يهدر لعدم لوجود منظومة تساعد على استرجاع الأجهزة بعد أن تصبح من المخلفات، وأوضح أنه يتم إرسال الأجزاء الداخلية للأجهزة المحتوية على المعادن الثمينة إلى معامل عملاقة بأوروبا لإعادة استخراجها ثانية.. وأشار علام إلى أن الأجهزة الإلكترونية كما تحتوى على مواد ثمينة تحتوى أيضا على معادن خطيرة وسامة مثل الرصاص والزئبق، وما يحدث فى عملية إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية هو استعادة تلك المواد الثمينة وقد صرحت إحدى شركات التدوير الأوروبية بأن كل 18 ألف طن من مخلفات الأجهزة الإلكترونية يمكن الحصول منها على طن من الذهب بما يعادل 40 مليون يورو، والدول التى ليس لديها نظام لاسترجاع تلك المواد الثمينة وتدويرها تتم العملية فى المناطق العشوائية بممارسات خاطئة وفيها يتم إلقاء المواد الخطيرة سواء فى الصرف الصحى أو المقالب العشوائية، كما يتم الحصول على معدن النحاس بطريقة بدائية من خلال إذابة الغلاف البلاستيكى حول الكابلات النحاسية باستخدام النيران حيث يبلغ طن النحاس نحو 100 ألف جنيه وهو ما ينتج عنه غازات سامة وقاتلة خاصة أنهم يستخدمون الأطفال الصغار فى تلك العملية، موضحا أن العالم المتقدم أصبح أكثر اهتماما لتدوير المخلفات الإلكترونية، ويطلق عليها اسم المناجم الحضرية حيث تكون تكلفتها أرخص بكثير من مناجم باطن الأرض. وبالنسبة لجهود مصر فى هذا المجال قال الدكتور حسام علام: مصر بدأت منذ عدة سنوات تحسين وتعزيز منظومة تدوير المخلفات الإلكترونية بالتعاون مع عدة شركاء بينهم شركاء سويسريون من خلال مشروع «صناعات التدوير المستمرة» مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهناك مشروع آخر بين مركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا «سيدارى» ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفى الإطار نفسه هناك مشروع آخر مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائى لكن تركيزه ينصب على الجانب الصحى، وهناك تكامل بين المشروعات لتوحيد الجهود ولتحقيق نتائج أكثر إيجابية، ومن أهم الجهود التى نقوم بها هى مساعدة المصانع العاملة فى مجال التدوير وهى نحو أربعة مصانع على التوافق بيئيا، ويتم الحصول على المخلفات الإلكترونية من خلال المزادات وحدث تقنين للمشاركين بتلك المزادات بوجوب وجود موافقة بيئية لديهم من وزارة البيئة التى تقوم بإمداد وزارة المالية ممثلة بهيئة المشروعات الحكومية بقوائم التجار المعتمدين لديها بما يعنى أن الحاصلين على المخلفات الإلكترونية من خلال المزادات سيتصرفون فيها بطريقة آمنة لأنها تحتوى على مواد ضارة وخطيرة فمثلا شاشة الكمبيوتر القديمة تشتمل على 3 كيلو جرامات من عنصر الرصاص وهو ما يعنى أطنانا من المواد الخطيرة يمكن أن تتسرب للتربة والمياه. وتابع أن الأجزاء الثمينة يعاد تدويرها من خلال عمليات كيميائية وبالنسبة للمواد الخطيرة وغير النافعة يتم دفنها بالمدفن الصحن بالناصرية بمدينة الإسكندرية.