توجد دائما أولويات في العمل السياسي, يوليها الحكم والمعارضة, علي السواء, ماتستحقه من اهتمام, وماتفرضه المسئولية. وطوال فترة الثمانية عشر شهرا التي مضت, من بعد25 يناير, بدا وكأن أولوية الأمن القومي لمصر, غائبة في حسابات كثير من القوي والتيارات السياسية, التي شغلت نفسها, وشغلتنا معها, في عراك, وشجار, وصراع متبادل, حول قضايا, تحتمل التأجيل, أمام إلحاح القضية الأهم, والأولي بالاهتمام. كان التهديد في سيناء, رابضا, بخطره المزدوج, فالمنطقة واقعة علي حدودنا مع اسرائيل والمنطقة أيضا تشهد ظواهر مقلقة, من استعراض فوضوي للقوة, من جانب خوارج علي الوطن, والروح الوطنية, وممارسات ارهابية تستفحل, من بينها15 تفجيرا لأنابيب الغاز ومواكب الملثمين يحملون الأسلحة, ويرفعون اعلاما, ليست اعلام مصر. وفي كل يوم تكتشف عمليات تهريب لمختلف أنواع السلاح من البنادق الي الصواريخ المضادة للطائرات, تهرب من ليبيا, وتعبر محافظات مصر, وصولا الي سيناء وأحاديث عن التهريب الذي يتم عبر1200 نفق بين غزةوسيناء, وحالة تجاهل تجاه الانفاق, التي تدار من الناحية الأخري, وكأنها ادارات جمارك تحصل رسوما. لكن القضية أوسع مدي من ذلك. فسيناء هي اولا وأخيرا حصن جوهري من حصون أمن مصر القومي. ولم يكن من سلامة التقدير السياسي للأمور, أن تترك علي حالها الذي تركها عليه النظام السابق, منطقة فراغ استراتيجي. فهذا الفراغ يعد أنسب بيئة لتفشي جماعات الفوضي, والتطرف, والارهاب, والجهل ترتفع في مساحاته الشاسعة. ولهذا كانت فكرة نشر العمران في سيناء علي امتدادها, يملأ هذا الفراغ بكل ما من شأنه, اغلاق الثغرات الواسعة أمام قوي الظلام, والجهل بالدين, والعداء للانسان. وهذه القضية لايحسمها جانب التنمية الاقتصادية بنتائجه السكانية, والعمرانية فحسب, لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بأمن مصر القومي. لقد سبق ان حضرت في عامي2009,2008 ندوات حول تنمية سيناء نظمها مركز الدراسات المستقبلية الذي كان يديره استاذ العلوم السياسية الدكتور محمد ابراهيم منصور, وشاركت في مؤتمر حول نفس الموضوع لمدة ثلاثة أيام عقد في سيناء, بورقة عمل عنوانها تنمية سيناء وأمن مصر القومي. وذلك علي ضوء القرار العلوي بوقف المشروع القومي لتنمية سيناء الذي بدأ عام1994, ثم أوقف بعدها بعامين وبعد أن انفقت الدولة13 مليارا من الجنيهات علي البنية التحتية للمشروع. وهو اجراء مضاد للأمن القومي, وذلك انه من المستقر والمعروف, أن لدي الجيش الاسرائيلي عقيدة عسكرية, تقوم علي ان قواتها لاتستطيع القتال في مناطق الكثافة السكانية, وكان تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء, يشكل عملا ليس علي هوي جيش اسرائيل, الذي تعد الصحراء الخالية في سيناء, أنسب بيئة لتحريك قواته في أي حرب كما أن هذه التنمية تغلق الباب أمام اطماع اسرائيل في سيناء, والتي تتحدث عنها للآن مشاريع وخطط, منها ماهو مسجل في استراتيجية اسرائيل للثمانينات. وحين قامت ثورة25 يناير, بدا وكأن النظرة الي سيناء تتغير, لقد كان ينبغي ان يكون لتنمية سيناء بجوانبها الاقتصادية, والعمرانية, والأمنية, أولوية تحتشد من ورائها جهود القوي والتيارات النشطة سياسيا في مصر, بدلا من جر الوطن, وراءهم, في دهاليز خلافات تخصهم قبل أن تخص مصر, وفي تناطح بالأفكار, والافكار المضادة, اتسعت ساحاتها وتشعبت. إن الموقف بلغ درجة من الخطورة بعد الحادث الإجرامي في رفح, لم تعد تحتمل رفاهية الخلافات العبثية, أو التراخي أمام ردع وصد مؤامرات تستهدف سيادة مصر علي أرضها, وحدودها. ولن يتحقق ذلك بالكلام الحماسي, وإنما بمواقف تشهد علي صدق وجدية أصحابها, وبقرارات عاجلة وحازمة, توضع في الحال موضع التنفيذ.. ولابد للدولة أن تفرض سيطرتها بقوة القانون, فما يجري هو جرائم ترتكب عمدا مع سبق الإصرار. وكفانا ماشهدناه من فرط التشاحن, والجدل. وكأن كل من يعلو صوته بالصراخ هو من يملك الحقيقة والصواب دون سواه. ولو كان يملكها, ما كان قد ضيع الوقت والجهد, في تفريعات, تصرف النظر عن القضية الأولي والأهم.. قضية أمن مصر القومي. المزيد من مقالات عاطف الغمري