لم يكد العرب، بل والعالم بمن فيهم حلفاء أمريكا، قد أفاقوا من صدمة قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حتى جاء أول اجتماع يعقده نيتانياهو بعد ليلة واحدة من نقل السفارة، مع قيادات من يسمون فى أمريكا بتجمع «المسيحية الصهيونية»، قوة الضغط والتأثير الأساسية على ترامب والتى دفعته لاتخاذ قراره بشأن القدس، ليناقش معهم خطوته القادمة. ولم تمض ساعات على هذا الحدث، إلا وجاء تصريح إسرائيل كاتس، وزير المخابرات الإسرائيلية، والذى قال فيه أن إسرائيل تضغط على إدارة ترامب للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان السورية. وقال كاتس، أن نيتانياهو قدم هذا الطلب فى أول لقاء له مع ترامب فى فبراير 2017, ومنذ ذاك اليوم والطلب محل مناقشات داخل مستويات متعددة فى إدارة ترامب وفى الكونجرس،وأن الفرصة أصبحت مواتية لإتمام اعتراف ترامب بضم الجولان خلال بضعة شهور. وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن نقل السفارة من تل أبيب للقدس قد غير مسار سياسة أمريكا الخارجية، لأن كل من سبقوا ترامب من الرؤساء كانوا مقيدين بالتزام سياسى وقانونى يقوم على عدم إيجاد حل منفرد لقضية القدس، سواء من جانب أمريكا أو إسرائيل، لكن الحل يكون عن طريق مفاوضات الوضع النهائى التى ترعاها أمريكا ويشارك فيها الفلسطينيون، أما قيام ترامب بإجراء منفرد، فإنه بذلك يكون قد أنهى الالتزام الأمريكى السابق للسياسة الخارجية، وهو ما يمكن أن يشكل سابقة لأى رئيس أمريكى قادم، تساعده على تجاهل المباديء الأساسية التى سبق أن قامت عليها السياسة الخارجية الأمريكية تجاه حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى. كما أشارت الصحيفة إلى أن نقل السفارة جاء فى لحظة مشحونة بالزهو والمخاطر لدى الإسرائيليين، وخاصة اليمين الإسرائيلى وقيادات المستوطنات الذين ظلوا لسنوات طويلة يحاولون بمختلف الوسائل والضغوط فى الولاياتالمتحدة أن يصلوا إلى هذه النتيجة التى يعتبرونها انتصارا لهم، لكنه يظل انتصارا مشكوكا فيه محفوف بالمخاطر، حيث يخشى الكثير من الإسرائيليين يتخوفون من عواقب ردة الفعل ولا يستطيعون أن يتجاهلوا ما يرونه من إصرار الشعب الفلسطينى على إبطال هذه الخطوة، وهو ما يؤيدهم فيها معظم دول العالم، وهو ما أكده التصويت الذى جرى فى الأممالمتحدة ووافقت عليه أكثر من 120 دولة، برفض هذه الخطوة من ترامب. ويعنى ذلك أنه رغم فرحتهم بنقل السفارة، إلا أنهم ليسوا متأكدين من تبعات هذا القرار فى المستقبل. أما لماذا كان تركيز نيتانياهو على دور جماعات ائتلاف «المسيحية الصهيونية»؟، فهو لأنهم يحملون عداء صريحا ومعلنا تجاه العرب والمسلمين، وهم ليسوا أتباع مذهب مسيحى كما قد يوحى الاسم بذلك، لكنهم يتبعون مذهبا خارج الكنائس التقليدية، يناصر إسرائيل وعداءها للعرب، ويؤيد منذ وقت طويل ضمها للقدس ورفض قيام دولة فلسطينية. وهو موقف لا يستند إلى حسابات سياسية فقط، ولكنه يتعلق بتعصب أنصار «المسيحية الصهيونية» لأفكارهم، وهذا التعصب يرضى نيتانياهو كثيرا. وكما ذكرت نيويورك تايمز، فإن نيتانياهو بعلاقاته الحالية مع تجمع «المسيحية الصهيونية»، قد أقدم على تحول تاريخى وإستراتيجى فى الاعتماد على تأييد هؤلاء، بعد أن كانت إسرائيل تعتمد طويلا على تأييد اليهود المقيمين خارج إسرائيل، حتى ولو كان هذا التصرف من نيتانياهو يحمل مخاطرة الابتعاد عن اليهود والأمريكيين الذين قد تضايقهم أفكار أتباع «المسيحية الصهيونية»، والتى تختلف مع كثير من أفكار الديانة اليهودية نفسها. ويرى المراقبون إن الدور الذى لعبه هذا الائتلاف فى دفع ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يتوقع تكراره بالنسبة للجولان، بعد اللقاء الذى تم بين نيتانياهو وبين بعض قيادات «المسيحية الصهيونية» عقب الاحتفال بنقل السفارة لمناقشة التخطيط لخطواتهم القادمة، وهى الجولان، حسب تعبير نيويورك تايمز. وعن ثقل الائتلاف داخل الولاياتالمتحدة يقول المراقبون، إن نفوذ هؤلاء أصبح ظاهرا فى إدارة ترامب على مستويين، الأول لقاء قياداتهم بترامب فى البيت الأبيض أكثر من مرة خلال عام 2017، وإقناعهم له بأن أتباعهم سوف يكونون قاعدته الانتخابية فى انتخابات الرئاسة القادمة، لأن نسبتهم التصويتية تبلغ 20% من أعداد من يملكون حق التصويت فى أمريكا، وهى نسبة قادرة على ترجيح كفته فى الانتخابات. أما المستوى الثانى فيتعلق بوجود من ينتمون إلى هذه الجماعة أو من يتعاطفون معها داخل الدائرة الضيقة المحيطة بترامب فى البيت الأبيض، وهم الأن أصحاب التأثير الأقوى على قراراته التى تتعلق بالسياسة الخارجية، وعلى رأسهم مايك بنس نائب الرئيس، وهو عضو أساسى فى ائتلاف «المسيحية الصهيونية»، بالإضافة إلى جون بولتون مستشار الأمن القومى ومايك بومبيو وزير الخارجية، والاثنان يعتبران من أشد المؤيدين لأفكار مذهب «المسيحية الصهيونية». ولوحظ فى حفل افتتاح السفارة فى القدس، تواجد رموز هذا الائتلاف، والذين حضروا بدعوة من نيتانياهو، حتى الحاخام اليهودى إريك شتاين وهو يلقى كلمته فى الحفل قال، إن علاقة نيتانياهو بالمسيحيين المحافظين فى أمريكا (وهو تعبير يطلق عليهم ضمن أوصاف أخرى مثل المسيحيين اليمينيين وغير ذلك) هى علاقة وثيقة أقوى من أى علاقة مع أى اتجاه آخر فى الخارج، وأن نيتانياهو يتمتع بشعبية لدى أتباع «المسيحية الصهيونية»، تفوق أى رئيس وزراء إسرائيلى آخر ممن سبقوه. وعندما تكلم السفير الأمريكى فى إسرائيل ديفيد فريدمان قال، إنه دعا اثنين من أقطاب هذا الائتلاف، لأنه أراد تكريم جماعاتهم للدور البناء الذى قاموا به فى المساعدة على نقل السفارة، وأضاف فريدمان أن تأييدهم لإسرائيل كان أكثر حماسة وحرارة من كثيرين فى مجتمع اليهود الأمريكيين. وكما هو واضح فإن قرار ترامب بشأن القدس قد شجع إسرائيل على الكشف عن بقية أطماعها فى الأراضى العربية.