ما إن جاء شهر رمضان، حتي سارع الصائمون إلي البذل والعطاء والتسابق إلي أعمال الخير، كموائد الرحمن، والصدقات وكفالة الفقراء واليتامي ومد يد العون للمحتاجين خلال هذا الشهر الكريم، فضلا عن صدقة الفطر التي أوجبها الله علي الصائمين، غنيهم وفقيرهم.. فهل هناك علاقة خاصة للصدقة بشهر الصيام، وهل يجوز تأخير أموال الزكاة عن موعدها لإخراجها في رمضان تعظيما للأجر والمثوبة؟. الدكتور ناصر محمود وهدان رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة العريش يوضح أن من الأمور المحمودة في شهر الصيام بذل المال وإخراج الصدقات والتوسع في ذلك قدر الطاقة وذلك توسعة للفقير وزيادة للأجر من قبل الله عز وجل، فرمضان شهر الجود والكرم والبذل والعطاء وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي، فمن حكم الصيام أن يشعر الغني بالفقير، حينما يجوع أو يعطش. وتكثر الصدقات في رمضان تأسيا بالنبي صلي الله عليه وسلم، حيث كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وحينما سئل عليه الصلاة والسلام: أي الصدقة أفضل.، قال: صدقة في رمضان. الصدقة في رمضان لها مكانة خاصة لأنها تعين الفقير علي عبادة الصيام. ولإخراج الصدقات فوائد عظيمة منها تحقيق التكافل الاجتماعي وسد حاجات المعوزين وجبر الخواطر والقلوب المنكسرة، ودرء الحسد والحقد، والاستشفاء ودرء الأمراض، ففي الحديث: داووا مرضاكم بالصدقة، وكذا جلب البركة والسعة في الرزق، لما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال “ما نقص مال من صدقة”. وما أجمل أن يجتمع الصيام والصدقة في الإنسان، لأن الصيام والصدقة من موجبات دخول الجنة، فقد ورد أن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لصحابته ذات يوم: ألا أُحدِّثُكم بغُرَفِ الجنَّةِ؟ فأجابه أحد الصحابة: بلَى يا رسولَ اللهِ بأبينا أنت وأمِّنا، قال: إنَّ في الجنَّةِ غُرَفًا من أصنافِ الجوهرِ كلِّه يُرَى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها فيها من النَّعيمِ واللَّذَّاتِ والشَّرفِ ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمِعتْ، قال الصحابي: لمن هذه الغرفُ؟ قال عليه الصلاة والسلام: لمن أفضَى السَّلامَ وأطعم الطَّعامَ وأدام الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ). والصدقات في رمضان، فضلا عمن مضاعفة ثوابها عن باقي الشهور الأخرى، فإنها تجبر الصيام ومن منا لا يحتاج صيامه إلي جبر لما قد يحدث من زلات وأخطاء، لذلك أوجب الله صدقة الفطر في نهاية شهر رمضان. ولكن طمعا في الثواب المضاعف لأعمال الخير قد يؤخر البعض زكاة أموالهم المفروضة إلي ما بعد وقتها حتى يخرجوها في رمضان.. وردا علي هؤلاء يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا: الزكاة ركن من أركان الدين كالصلاة والصيام، ولها وقت معين ونصاب معين، وقد بين القرآن الكريم أن الزكاة حق معلوم للمستحقين فقال تعالي “وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم”، فالمزكي حين يخرج زكاته ويجد من يقبلها منه عليه أن يشكره، لأنه وجد إنسانا يطيع الله فيه، ليس معني ذلك أن يستهان بمن نعطيه زكاتنا وتقدم الزكاة لأي أحد، بل تقدم للمستحقين فقط في المصارف الثمانية الذين حددهم القرآن الكريم «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله.». ويوضح الأطرش أن الزكاة لا يجوز تأخيرها لغير موعدها المحدد، فتخرج بالسنة القمرية وليست الميلادية، فإذا ما تم الحول وبلغ النصاب وجبت الزكاة علي الفور وصارت حقا لمستحقها وإن كانت لا تزال في يد من عليه إخراجها.. فإذا بلغت زكاة الأموال الحول في شعبان وجب الإخراج في شعبان، وإذا بلغت في رجب وجب الإخراج في رجب، ولا يجوز التأخير طمعا في الأجر ونحو ذلك، لأننا إذا حبسنا زكواتنا جميعا في الأشهر السابقة لرمضان حتي نخرجها في رمضان ماذا يفعل الفقير، فإننا بذلك نضر به، لأننا نحرمه من حقه وقت استحقاقه، كما نكثف له العطاء في وقت واحد مما يشجعه علي سوء التصرف فيما يتحصل عليه من أموال دفعة واحدة، ولعل من حكمة الله عز وجل من وجوب الزكاة متي اكتمل الحول بعد بلوغ النصاب أن يظل الفقير طوال العام لديه من مخرجات الزكاة، هذا يعطيه أول الشهر وهذا في منتصفه وذاك آخره، وهذا يعطيه في رمضان وذلك في شوال وهكذا.. وأوضح الأطرش أنه يجوز تقديم الزكاة عن موعدها، فمن كانت زكاته تبلغ الحول في شوال وأخرجها في رمضان لا بأس وهنا يكون استفاد بمضاعفة الأجر بإذن الله دون إضرار بالفقير والمحتاج. كما أنه أيضا يجوز إخراج الزكاة علي أقساط شريطة أن ينتهي القسط الأخير مع الوقت الشرعي لإخراج الزكاة..ويجوز التقسيط إذا كان المستحق مبذرا ينفق كل ما يحصل عليه جملة واحدة ولا يحسن التعامل مع ما يقدم إليه كثيرا كان أم قليلا، فهنا ربما يكون من الحكمة التقسيط علي دفعات وأشهر علي أن ينتهي آخر قسط مع موعد حلول الحول أيضا.