عن غيره من باقي الأشهر، يكثر في شهر رمضان الخير والصدقات وتبرعات أهل الخير، طمعا في مضاعفة الأجر، لما ورد في الحديث « أنّ الله جعل النافلة في رمضان كأجر فريضة فيما سواه, والفريضة في رمضان كأجر سبعين فريضة فيمن سواه..» غير أن بعض أصحاب الأموال ومن تجب في حقهم إخراج الزكاة يتعمدون تأجيل الزكاة المفروضة عن وقتها حتي يأتي شهر رمضان ويخرجونها فيه، تحصيلا لمزيد من الثواب والأجر بحسب زعمهم. الأمر الذي أكد علماء الدين عدم جوازه، وأن الأولي في الزكاة المفروضة المسارعة إلي الأداء في وقتها، لأنها صارت حقا للفقير بمجرد بلوغها النصاب وحلول الحول عليها. ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا، إن زكاة المال ينبغي أن تخرج عند حلول وقتها، فإذا حل وقت إخراجها في شعبان فلتخرج في شعبان ، وإذا حل في رجب فلتخرج في رجب، وهكذا، ولا يجوز تأخيرها إلي بعد وقتها حتي لو كان هذا الوقت هو رمضان، لأنها ببلوغ وقتها أصبحت حقا مكتسبا للغير وليس لصاحب المال الأصلي، وعليه فلا يجوز تأجيل إخراج زكاة إلي بعد وقتها، اللهم إلا إذا لم يجد المزكي من يعطيه زكاة ماله، وهنا عليه أن يعزلها عن ماله الخاص حتي يجد من يستحقها. أما الذين يطمعون في مضاعفة الأجر في رمضان فلهم أن يكثروا من الصدقات بأنواعها في غير الزكاة المفروضة، كما يجوز للغني أن يخرج زكاته في رمضان إذا وافق ذلك وقتها أو كان قبل وقتها، فالتعجيل هنا جائز، أي التعجل بإخراج الزكاة قبل وقتها الشرعي، كما أن التقسيط في إخراج أموال الزكاة جائز أيضا شريطة أن ينتهي آخر قسط مع الموعد الشرعي للزكاة وهو بلوغ الحول للمال أو الحصاد للزروع، وهكذا. وردا علي ما يقوم به بعض المزكين من إخراج زكاة ماله بشراء بالقيمة المستحقة للزكاة مستلزمات غذائية وملابس وبطاطين وكراتين رمضانية من الشاي والأرز والسكر وغيرها لتقديمها للفقراء، سواء كان ذلك في رمضان أو غير رمضان يقول الشيخ الأطرش إن هذا لا يجوز في زكاة المال، لأن زكاة المال يجب إخراجها مالا، وزكاة الزرع زرعا، وزكاة النعم نعما، وهكذا، أما يفعله بعض المزكين من إخراج الزكاة بهذه الصورة فإنه مما تتسع له الصدقات وليس الزكاة المفروضة. لأن المال يسد حاجات الفقير بأنواعها، فلو أعطيته خمسين جنيها من زكاة مالك، وكان بحاجة إلي لحم اشتري، ولو كان بحاجة إلي ثياب اشتري وهكذا، فبالمال يشتري ما يشاء أما أن يكون المزكي عنه مالا ونخرجه كساء أو غذاء فهذا لا يجوز في الزكاة المفروضة. وفي السياق نفسه يوضح الشيخ محمد عبد الفتاح إسماعيل، وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة سابقا أن هناك حالات معينة يحسن للمزكي فيها أن يخرج زكاة ماله أشياء عينية وليس مالا، كأن يكون ولي الأمر ( رب الأسرة) سكيرا أو عربيدا، يُخشي إن أمسك المال بيده ألا ينفقه علي أسرته وينفقه علي مزاجه الخاص ويشتري بها مسكرات ، أو نحو ذلك وهنا إن تم شراء شيء من احتياجات الأسرة بالتنسيق مع بعض أفرادها العقلاء يكون أولي من المال. من جانبه أوضح الدكتور حسين بودي، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر بأسيوط، أن الزكاة بموجب بلوغها النصاب وحلول الحول أصبحت حقا للفقير لا يجوز للغني التكاسل أو التراخي في إيصاله إليه بغير عذر شرعي كعدم وجود فقراء أو عدم استطاعته الوصول إلي الفقراء والمحتاجين، أو ضياع المال ونحو ذلك من الأعذار التي تخرج عن استطاعة المزكي، أما التعمد في تأخير إخراجها لغير مثل تلك الأعذار فلا يجوز، ولو طمعا في مضاعفة الثواب، فرمضان شهر الخير والبركة ومضاعفة الحسنات والثواب، لكن ما ذنب الفقير الذي جعل الله له حقا في ذمة الغني في شهر رجب أو شعبان أو ما قبلهما مثلا، وماذا عساه أن يفعل لو امتنع المزكون عن زكواتهم إلي بلوغ رمضان، ففي تلك الفترة ماذا لو كان لدي الفقير عوز شديد وذلك قائم بالفعل لأنه بالأساس فقير ومحتاج، وماذا لو أن فقيرا يريد تزويج ابنته أو إجراء عملية أو يحتاج أمرا ضروريا من ضرورات الحياة وما أكثرها...أنقول له انتظر حتي رمضان ليتضاعف لدي المزكي الأجر..فالله عز وجل هو الذي خلقنا وهو الأعلم بحالنا وحينما يأمرنا بشيء ليس لنا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا. وحين حثنا القرآن في زكاة الزروع علي سرعة الإخراج قال «...وآتوا حقه يوم حصاده»، فنفى تبعية هذا الحق للمزارع ومالك الأرض، ولكن الحق المقرر في الزكاة هنا هو حق الله وحق الفقير ولم يعد حقا للمزارع نفسه.