الخيط جد رفيع بين بذاءة الطغيان.. وطغيان البذاءة. الطاغية في أي زمان ومكان يهمه جدا, بل ويسعي جاهدا, لتفشي بذاءة الروح والعقل واللسان بين أبناء شعبه, فتكون النتيجة, فقدان الشعب لروح الجمال, ويسود القبح, ومع القبح يسهل جدا تحويل الناس إلي أشرار وكسالي وفاسدين. ومع الأيام تتحول البذاءة إلي ثقافة شائعة, وسلوك عام, ليس فيما تنطق به الألسنة فقط, بل في كل شيء, ولا نحسب أن هذه المعاني كانت في أذهان صناع المسلسلات في رمضان هذا العام, وإنما هم أرادوا أن يسايروا النمط السائد للتفكير, بحجة أن الجمهور عايز كده, وللسعي اللاهث نحو مزيد من الإعلانات. وإلا فقل لي ما تفسيرك لكمية الشتائم السوقية, والإفيهات المكشوفة, والمناظر الخليعة, التي اكتظت بها مسلسلات هذا الرمضان, والتي ما كان الذوق المصري يقبل بها أبدا في سالف الأيام؟ وما رأيك دام فضلك في الألفاظ الخادشة للحياء التي تباري في إطلاقها, بوعي أو عن غير وعي, كبار ممثلينا وممثلاتنا, وكأننا في لا مؤاخذة غرزة, أو في صالة كباريه؟ وإذا كنا, في هذه المساحة نفسها, منذ أسابيع, قد دافعنا عن الفنان عادل إمام في مواجهة الهجمة الشرسة عليه,( بدعوي أنه يتطاول علي الدين), فإن من حقنا عليه اليوم أن نطالبه بالوقوف لحظة أمام ما قدمه في رمضان, وليسأل نفسه: هل أحب لأحفادي أن يسمعوا ويروا هذه المشاهد؟ هل يليق بهم, أن يشاهدوا الممثل وهو يتبول تبولا جماعيا, هكذا عيني عينك في قلب الكاميرا.. أو أن يطل من نافذة الغرفة علي غرفة الجيران وهم(.. عفوا.. لم يستطع القلم كتابة ما رأته العين في هذا المشهد!) يا أستاذ إمام, إن المجتمع المصري الآن في أمس الحاجة إلي فن جميل, يرقي بمشاعر الناس وأحاسيسهم. لقد شبعنا قبحا, وننتظر منكم أن تكونوا قدوة, ولا تحدثني عن واقعية الفن, والجرأة في المعالجة, ومقتضيات الدراما. لا يا سيدي.. إرجع إلي أعمال مخرجينا الكبار, أساتذة الواقعية بحق وحقيق, ولن تجد في فنهم أي ذرة إسفاف. أرجوك.. راجع نفسك, وكفانا ما نراه من القبح والفوضي والبذاءة في شوارعنا, وألفاظنا, ومسلسلاتنا, بل وفي حياتنا كلها! المزيد من أعمدة سمير الشحات