حينما يصف لك الطبيب دواءً عليك أن تتناوله مدى الحياة قد تتمهل قليلا قبل شرائه، ربما تنتظر استشارة أحد معارفك، أو سؤال طبيب آخر، ربما تبحث عن حل جراحى أو حتى تلجأ إلى الطب البديل.. ولكن إذا كان دواؤك لا بديل ولا مثيل له، وإذا كان العلم بكل تطوره يعجز عن تصنيعه، فإنك حقا لا تستطيع الانتظار، هذا هو حال مرضى كثيرين منهم الأطفال مرضى الثلاسيميا المعروفة ب «أنيميا البحر المتوسط» ومرضى الهيموفيليا (سيولة الدم) الذين لا علاج لهم سوى «نقل الدم». واذا وضعنا الأرقام نصب أعيننا فسوف نكتشف حجم الأزمة التى قد يعانى منها هؤلاء الأطفال، فمصر تحتاج سنويا إلى 2.7 مليون قربة دم، بينما ما يتم جمعه بالفعل لا يتعدى نصف هذا الرقم، وهذا ما كشف عنه الدكتور إيهاب سراج الدين مستشار أمين عام الهلال الأحمر المصري، الذى التقيناه بالفرع الرئيسى لبنك الدم، الذى تم تطويره أخيرا، وبالرغم من الفارق الكبير فى الأرقام، فإنه أصر على أن النقص الحقيقى ليس فى «الدم» وإنما فى ثقافة التبرع به، وقال: «فى شهر رمضان الكريم يتسابق الناس للتبرع بأموالهم فى جميع أوجه الخير، ولكننا هنا لا نطالب الناس بالتبرع بأى أموال، فقط التبرع بالدم». د.ايهاب سراج الدين فكيس الدم لا يعنى علاج مريض واحد فقط ولكنه يساعد ثلاثة مرضى مختلفين، حيث يتم فصل «البلازما» لمرضى الكبد و«الكرايو» لمرضى الهيموفيليا و«الهيموجلوبين» لمرضى الثلاسيميا، وأغلبهم من الأطفال المحولين من التأمين الصحى وقرارات العلاج على نفقة الدولة، حيث يقدر عدد أطفال الثلاسيميا داخل البنك ب775 طفلا والهيموفيليا 250 طفلا يتلقون العلاج به، أما البلازما فيتم صرفها للمستشفيات الحكومية بسعر التكلفة، وهو ما أتاح سيولة مالية لبنك الدم ليطور من نفسه بشكل كبير مما ساعد على تحديث العديد من الأجهزة الخاصة بفصل المشتقات وتحليل الفيروسات والتوافق والفصائل. ويضيف: «نحو 50% من الأجهزة الحديثة الموجودة بالبنك حصلنا عليها عن طريق تبرع بعض الشركات، واستطعنا تطوير باقى الأجهزة بالجهود الذاتية ودون الحصول على أى دعم مالي، أو تبرعات من أى جهة»،وقد أسهم التطوير أيضا فى مد خدمات بنك الدم لتستمر على مدى 24 ساعة وأثناء الإجازات الرسمية فارتفع عدد «القرب» التى يتم جمعها سنويا من 30 ألف قربة عام2016 إلى 35 ألف قربة عام 2017 فقط من القاهرة،بما يمثل نحو 8% من اجمالى الدم الذى يتم جمعه على مستوى الجمهورية، بالرغم من اعتمادهم على عربتين فقط لجمع الدم تتخذان من ميدان رمسيس مقرا لهما، بالإضافة للعديد من الحملات الخارجية بالشركات والمصانع والجامعات والفنادق وغيرها من أماكن التجمع، بينما يتم جمع نحو 60ألف قربة أخرى من فروع البنك بالإسكندرية وطنطا وقنا ودمنهور. ويرى مستشار أمين عام الهلال الأحمر المصرى أن عدد القرب المجموعة قابل للزيادة، كلما ارتفعت نسبة وعى المواطنين بشروط وموانع التبرع، فكثير من الناس لا يعلم أنه من خلال الأجهزة الحديثة يستطيع التبرع فقط بصفائح الدم مما يتيح له التبرع 24 مرة فى السنة مقابل المتبرع بالدم الكامل والذى يمكنه التبرع 4 مرات فقط. كما يحصل المتبرع على نتيجة تحليل كيس الدم الذى تبرع به لبيان ما يحمله من أمراض فيروسية مثل فيروس سى وبى والايدز والزهري، ويتم تسجيل بياناته لنتمكن من تقديم كيس دم مجانى له أو لأقارب الدرجة الأولى عند الحاجة، ويكشف عن أن كثيرا من الناس يترددون فى التبرع إما خوفا من العدوي، ولكنه أمر بعيد تماما عن الحقيقة، حيث يتم استخدام أدوات فردية لكل متبرع، ولا يمكن استخدامها مرة أخري، والسبب الثانى هو إعادة بيع أكياس الدم التى تبرع بها المواطن مجانا وهو أيضا غير صحيح حيث لا يتم تحقيق أى ربح من بيع أكياس الدم والسعر المطلوب يشمل فقط تكاليف تحاليل الفيروسات لكل كيس ارتباط بالمكان ومن داخل بنك الدم التابع للهلال الأحمر الذى تزينت جدرانه بفوانيس رمضان ويقضى طفل الثلاسيميا يومه بالكامل، التقينا الدكتورة سهام الباز مدير عام بنك الدم بالهلال الأحمر التى أوضحت أن الأطفال يحضرون من التاسعة صباحا حتى الثالثة عصرا لإجراء بعض التحاليل أولا ثم يتم تحضير الدم لهم، لذلك يرتبط الأطفال بالمكان جدا ويحضرون إليه مرتين شهريا على الأقل بشكل مستمر، فالعلاج دائم لا يتوقف عند سن معينة، بل يستمر مدى الحياة، وتقول:«نرتبط نحن أيضا بالأطفال، وكذلك الأطباء فالطفل الذى يتلقى علاجه هنا يصبح جزءا من حياتنا، لذلك طورنا كثيرا من أماكن الانتظار وقاعات نقل الدم الخاصة بهم وتم إنشاء عيادة للعلاج الطبيعى وأخرى للأسنان لرعايتهم، حيث يواجهون مشاكل كثيرة مع المفاصل بسبب مرضهم، ونحرص على ضرورة تكثيف الرعاية لهم أثناء علاج الأسنان، بالإضافة إلى تطوير اجهزة نقل الدم نفسها بأجهزة احدث تقلل من الأعراض الجانبية التى كان يصاب بها بعض الأطفال، مثل الرعشة بعد نقل الدم.