تذكرت، والذكرى تنفع المؤمنين، أن فى مصر، وفى سيناء تحديدا، أقدس الأماكن قدسية للمسلمين والمسيحيين واليهود، أى كل الأديان الإبراهيمية!. وتذكرت كذلك، أن المصريين أهملوا هذه الأماكن ولم يقدسوها كما تستحق، وكما ورد ذكرها فى القرآن الكريم، وساورنى إحساس بأن الله سوف يحاسبني، ويحاسبنا على ما فعلناه، ولكى أتخلص من هذا الألم، قررت مراجعة آياتنا الكريمة التى تكلمت عن الجبل المقدس والوادى المقدس والبقعة المباركة. ووجدت علو شأنها، وتساءلت، كيف أتت فى كتاب مبين، ونسمعها فى قرآن كريم، ونؤمن بها، ونقدسها ولا نزورها أو سميناها سياحة دينية، وهى واجب مقدس على كل مصري، وكل مؤمن أن يجدد رسالتها إلى كل مكان، حتى يشع الإيمان ويستقر السلام بين الأمم والشعوب، بأن يعرفها العامة والمتخصصون، وتكون رسالتها معبرة وساطعة مع الأيام، ونظرت حولى فوجدت المصريين يعلون من شأن قيم بالية ويبالغون فيها ولا يتذكرون قيمهم الحقيقية ومعانيهم السامية والخالدة. فى سيناء نتخلص اليوم، ومنذ أشهر من آفة الإرهاب والتطرف، ونقتلع جذورها بعمل تاريخي، سوف يسجل فى تاريخ المعاصرين من بنى وطني، أنهم لم يقبلوا التعايش مع الآفات والأمراض القاتلة، ولم يقبلوا حلول المسكنات التى سرعان ما تزول، ويعود تأثيرها المرضى أكثر مما كان، وتساءلت ماذا نحن فاعلون؟ تخلص الأمن (جيشا وشرطة) من الإرهابيين، ومهد الأرض والعقل لعالم جديد، فهل يكمل الآخرون المسار، ويفتحون أفق سيناء العالمى لكل الناس، خاصة المؤمنين من المسلمين والمسيحيين بتاريخنا الدينى المتوغل فى أعماقنا قبل أعماق التاريخ، ويقدمونه للإنسانية بكل معانيه وروحانيته التى ستغير شكل العالم؟. إذا أدركنا نحن ذلك، سنستطيع تقديمه كوجبة روحية لا غنى عنها للإنسان المعاصر، لأنها تكمل بناء كيانه، وتقوى إيمانه وتبعث روحانياته. تذكرت دعوة الرئيس السادات فى ثمانينيات القرن الماضى لإنشاء مجمع الأديان فى سيناء، ثم ذهب إلى هناك، وأنشأ بيتا بسيطا للراحة، بيتا خشبيا على مساحة 150 متراً، وكان ينام على سرير نحاسى قديم، وتصور الزعيم الذى حرر الأرض وأقام السلام أن دعوته لن تتوقف لأنها تتناسب مع إيماننا وقناعاتنا الدينية ومعرفتنا بكتابنا المقدس قرآننا الكريم، ولكن للأسف أولوياتنا تاهت وسقطت الفكرة ولم يتبنها أحد أو جمعية من الجمعيات التى تطلب المعونات والصدقات خلال شهر رمضان بشكل منفر وإلحاح مقيت. سقط بيت الراحة، وضاعت محتوياته وتبعثرت فكرة مجمع الأديان ووحل مكانه محتكرو الحقيقة باسم الله.. اليوم نعود، وقد سقط المتطرفون والإرهابيون، ومن أرادوا أن يحكموا باسم الله، وأذكِّر بما قلته فى بداية المقال، أنه من قرآننا الكريم، وقد راجعته فى شهر رمضان المبارك، وأدركت حجم التقصير مع إيماننا وقناعاتنا الدينية.. فى سيناء الأرض، وقد باركها الله سبحانه وتعالى وهى الأرض التى مر بها، ولجأ لها أنبياء الله، فسار عليها إبراهيم عليه السلام قاصداً مصر، ثم عاد من خلالها مع زوجته سارة، وعبرها يوسف بن يعقوب بعدما تركه إخوته، فقدرت له منزلة عظيمة فى مصر، واتجه إليها موسى (عليهم السلام جميعا)، وعاش هناك وتزوج ابنة شعيب بن مدين، وعلى جبالها شرفه الله بأن كلمه (بالوادى المقدس طوي)، وهناك تلقى الألواح الشريفة، وعلى ترابها مات موسى وأخوه هارون، وعليها مرت العائلة المقدسة السيدة العذراء والمسيح طفلا، ثم عادت رحلة العائلة المقدسة بعد ذلك إلى فلسطين عبر سيناء، وأخيراً اكتشفنا هذه الرحلة الخالدة، فمن يأتى متأخراً خير من ألا يأتى أبدا!. فعلينا أن ندرك قدسية الجبل المدكوك أو جبل موسى وهو بجانب كنيسة العليقة، أو شجرة العليقة، ولا يدخله أحد إلا بخلع نعليه، متمثلاً بسيدنا موسى عليه السلام. هذه البقعة الخالدة، والتى تميزت فى قناعتنا (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء164) هذا الحوار بين موسى وربه، جلّ وعلا، جرى على أرض مصر فقط بداية من الوحى إليه فى سيناء وجبل الطور مروراً بلقائه مع قومه فى سيناء وخروجهم من سيناء، ومشكلاته مع قومه فيها، بقوله جل وعلا: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ...» (يونس 87)، وقد شهد جبل الطور فى سيناء، وسيناء ليست شواطئ ومؤتمرات فقط، بل هى قلب ديننا وحياتنا وروحنا، فهناك ضرورة أن نتذكر ونعيد القراءة والتذكر لكل المواقع التى ذكرت فى القرآن الكريم بسيناء، وفى مقدمتها بالقطع جبل الطور والتجليات الإلهية بالوادى المقدس طوي، لإعادة صبغة سيناء بحقيقتها النورانية، وقدسيتها فى قلوبنا، وهى ليست قطعة أرض، فهى تحوى الموقع الفريد فى العالم الذى تجلى فيه المولى سبحانه وتعالى مرتين فى موقع واحد، تجلى فأنار شجرة العليقة الملتهبة الموجودة حتى الآن بالوادى المقدس طوى، وبحكى مفهوم حين نظر نبى الله موسى للجبل، فكانت المعجزة الإلهية بدك الجبل، ومازال الجبل باقياً ومدكوكا للناظرين. إن الله سبحانه وتعالى كرم الجبل وجعله بمنزلة مكةوالقدس فى قوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) الأولى تعنى القدس، والثانية سيناء، والثالثة مكة .. وهل نسيتم عيون موسى الاثنتى عشرة التى هدمت، ولم يبق منها للذكرى إلا أربع، ولم يجد من يعيدها للحياة مرة أخري، ورأس محمد، والمعروفة فى القرآن بمجمع البحرين، نقطة التقاء العقبة وخليج السويس بجنوب سيناء، حيث التقى نبى الله موسى والرجل الصالح الخضر، وهى الصخرة الإلهية، ومازالت موجودة حتى الآن، ولا يزورها حاليا أحد.. تصوروا!. كتبت ذلك، وقد تذكرت اليونسكو والفاتيكان رحلة المسيح عليه السلام وأمه فى مصر، فعلينا نحن المصريين أن نعيد المكانة لرحلة أنبياء الله كلهم، إدريس وإبراهيم ولوط وإسماعيل ويعقوب ويوسف وشعيب والأسباط وموسى وهارون ويوشع بن نون وإلياس وإرميا ولقمان وعيسى على أرض سيناء المقدسة. لمزيد من مقالات ◀ أسامة سرايا