الحب ليس مجرد كلمة إنه أسلوب فى الحياة، يستند إلى علاقة ذات طابع خاص تربط بين الفرد والآخر بين الإنسان والإنسان أو بينه وبين الطبيعة وبين القيم والمبادىء التى تغلغلت فيه وأصبحت تحدد سلوكه. الحياة هى الحب والحب هو الحياة يستوعبها كاملة، يشمل حب الكون وخالقه وكل ما خلق . رابطة تقوم على التفاهم وتلاقى الفكر والأولويات والقيم كما تقوم بين الإنسان والطبيعة وكل ما حولها . هناك من يحبون الأزهار ويهيمون بها ومن يحبون الزراعة ويمارسونها هناك من يحبون الرياضة ويتنافسون حولها . رغم هذه الحقائق التى تضع الحب فى مكانه المتكامل الإنسانى إلا أننا فى البحث عن أصل الكلمة، وما أطلق عليه من أسماء نجد أن الحب تم اختزاله فى العلاقة بين الرجل والمرأة. قيل: إنه مأخوذ من الحُباب وهو الذى يعلو الماء عند المطر الشديد. مثل غليان القلب عند الاضطرام إلى لقاء المحبوب، وقيل: بل هى مأخوذة من الحُبِّ جمع حُبَّة وهى لباب الشيء وأصله، لأن القلب أصل كيان الإنسان، ومستودع الحُبِّ ومكمنه. وقيل عنه ايضا إنه كيمياء متبادلة بين اثنين، وأن الجسم يفرز هرمون الأوكسى وسين المعروف ب«هرمون المحبين» أثناء اللقاء بين المحبين. وضعت له أسماء متعددة منها المحبة والهوى والصبوة والشغف والوجد والعشق والنجوى والوصب والاستكانة والود والخُلّة والغرام والتعبد والهيام. القضايا والتساؤلات التى يثيرها موضوع الحب متعددة متداخلة نتناول هنا بإيجاز لمحات عن ماهيته ومفهومه وبعض الأسئلة والاعتبارات حوله. الحب لا يفرض ولا يأتى قهراً، ولا يمكن أن يكون أو ينتهى بالأوامر أو التعليمات. مشاعر راقية نبيلة تعبر عن نفسها اسلوبا فى الحياة نابعة من داخل الإنسان ليس من خارجه، ولا يمكن فرضها أو شراؤها. الحب الصادق المجرد من الدوافع والرغبات أقصى وأنبل المشاعر التى مازالت لحد ما باقية للإنسان وبالحب الحياة أفضل. هو هبة الخالق سبحانه، عاطفة الهية فطرية لدى كل المخلوقات يسعى لتنميته وحمايته من يريدون السلام والسعادة. إذا غاب الحب اختفى الأمن والسلام وظهر العنف وتغلغلت الكراهية تثبت الأبحاث ان الحب وسيلة لمواجهة العنف والانحراف والإلحاد والتصدى لمن يحاولون نشر ثقافة الدمار والتخريب، وعلاج انحراف الشباب بالحب والسلام. الحب هو العطاء والفداء . طاقة تصقلها الأحداث وتشعلها الأزمات هو الذى يدفع ابطالنا إلى التضحية بحياتهم بكل سعادة وهو الذى يجعل شخصا يقفز فى الماء أو النار لإنقاذ غيره. الإيمان أساسه الحب، والإلحاد هو البعد عن حب الخالق واحترام ما خلق، ظاهرة مرضية وسلوك مريض والانتحار جريمة تحرمها جميع الأديان ترتكب عندما يختفى حب الإنسان للحياة ولمن حوله. الحب جوهر القصص والروايات وموضوع الشعر وشاغل الشعراء فى مفهومه المتكامل كتب بعض كتابنا منهم الأساتذة الشرنوبى وجويدة وصلاح سالم والزميلة عايدة رزق . رغم كل ما قيل وكتب فى تحديد ماهيته إلا أنه كلمة كثيراً ما يساء فهمها واستعمالها. نخلط بينه وبين الرغبة أو الشهوة أو التسلط على الآخر وامتلاكه. هناك خلط كبير بين الحب والعشق الذى يقوم على رغبة غريزية للتملك أو النزوة العابرة والإعجاب الزائف الذى ينتهى وتذوب حرارته مع انتهاء صلاحيته. المادية التى نعيشها جعلته يقتصر على العلاقة البدنية الجسدية بين شخصين بحيث أصبح الإنسان يتردد قبل أن يقول إنى أحب فلانا لأنه سوف يفهم منه فوراً المعنى البدنى. نقرأ عن «جرائم الحب» مثل رجل يقتل فتاة لأنها لا تحبه أو زوجة قتلت زوجها لحبها لآخر.. بينما هى جرائم الخطيئة والكراهية ليس لها علاقة بالحب. كثيراً ما تستعمل كلمة الحب فى وصف مشاعر أو سلوك لا علاقة لها بالحب ما يطلق عليه حب المال هو الجشع وما سمى حب السلطة هو القهر وحب الذات هو التعالى والأنانية. الحب يقى الإنسان الانحراف، وفى غيابه تفتيت للمجتمع، لذلك أصبحت وسيلة أهل الدمار والعنف نشر ثقافة الكراهية التى تبرر العنف. يثور التساؤل: هل هناك وسائل لحماية الحب أو التأثير عليه؟ وجدت محاولات لإنقاذه أو بقائه منها: فى فرنسا جسر فوق نهر السين يقوم العشاق وحديثو الزواج بكتابة اسمائهم على «اقفال الحب» التى تعلق على أسوار الجسر ويلقى بالمفتاح فى النهر أصبح الجسر يحمل 700 الف قفل ومهدد بالسقوط. وهناك أمثلة مماثلة فى شرق أوروبا والصين تقوم على أن المشاعر تبقى ما دام يجرى النهر الذى يحمل الحب فى مساره. عثرت هيئة الآثار المصرية فى «منزل خاتون» على «حجاب عجيب» اسمه حجاب المحبة عمره 340 سنة يحتوى على كتابات وطلاسم تدعو للمحبة والالفة واستمرار الحب والى اليوم يلجأ البعض لحكيم القرية أو رجل الدين طالبين تعاويز تحمى الحب أو تقضى عليه. الحب الحقيقى كى يبقى ويستمر لا يحتاج للتعاويز والسحرة ولا الاقفال إنه مثل الشجرة تحتاج من يرويها ويبعد عنها الشوائب فى رابطة إنسانية تقوم على التوافق والتفاهم والعطاء المتبادل. كل فضيلة تقوم على الحب. الإنجاز يقوم على حب العمل، الكرم هو حب العطاء، مساعدة الغير هو حب الخير، الأمن هو حب السلام، الإيمان يقوم على حب الخالق وتعاليمه والوطنية هى حب الوطن . إن حب مصر هو الذى سوف يساعد المصريين على أن نتحمل صعوبات العبور الجديد الذى سوف يصل بمصر الى مكانتها التى تستحقها.. لمزيد من مقالات ◀ د. ليلى تكلا