فى جرائم القتل المجهولة عادة ما يحيط الغموض بدوافعها حتى تتم إزاحة الستار عنها وكشف مرتكبيها، غير أن بعض هذه الجرائم التى تبدو غامضة فى البداية، تزداد غموضا مع التوصل إلى فاعليها والتعرف على دوافعهم لارتكابها!. كانت الجريمة التى وقعت فى قرية الإخصاص، والتى أفزعت الناس فى مركز الصف جنوب محافظة الجيزة، واحدة من تلك الجرائم التى تزداد غموضا مع التوصل إلى مرتكبها، فحتى هذه اللحظة مازالت روح «آية» الطفلة التى لم تكمل بعد ثمانى سنوات من العمر، تصرخ متسائلة «بأى ذنب قتلت بهذه الطريقة الشنعاء؟!» على يد زوجة خالها الشابة ذات الواحد وعشرين عاما من العمر والتى وضعتها حية داخل جوال بلاستيك أحكمت غلقه وألقته فى مياه ترعة المحاجر المارة بالقرية، وعندما اكتشفت أسرة الطفلة غيابها ومضت أول ليلة على غيابها وخلا فراشها منها، شاركت زوجة الخال القاتلة فى أحزانهم وأسالت الدموع وهى تتظاهر بالفزع والخوف على مصير الطفلة الغائبة!. وأحكمت القاتلة حركاتها التمثيلية عندما جاء النذير بأن الجثة التى عثر عليها داخل جوال فى الترعة هى نفسها جثة آية، فقد لطمت خديها وأطلقت الصراخ متظاهرة بالهلع من هذه النهاية البشعة لطفلة لم تجن شيئا سوى أن زوجة خالها تمقت والدتها وبقية أسرتها!. أوراق الواقعة التى تابع اللواء سامى عزت نائب مدير أمن الجيزة خطواتها منذ إبلاغه بها، تبدأ تفاصيلها بمشهد «كراكة» تعمل فى تطهير ترعة المحاجر بقرية الإخصاص التابعة لمركز الصف، حيث التقطت جوالا برز منه رأس طفلة عندما ألقى على جانب الترعة، مما أصاب المارة بالفزع وهم يضعون أيديهم على قلوبهم من المفاجأة، فكل القرية كانت تبحث عن طفلة تدعى «آية» لم يذق أهلها النوم منذ اختفائها ولكن الحقيقة وضحت أمامهم مؤلمة صادمة، فالطفلة القتيلة هى آية نفسها تلك التى كان يراودهم الأمل فى عودتها سالمة بمعجزة ما ولكن جثتها أسكتت كل الآمال. من الذى يجرؤ على انتزاع قلبه من صدره ليغتال براءة طفلة فى عمر الزهور؟!..السؤال الغامض صار تحديا لأجهزة البحث الجنائى ولدى الفريق المكون من ضباط المباحث الذى امربه اللواء رضا العمدة نائب مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة وقاده اللواء محمد عبدالتواب مدير المباحث والعميد ناجى كامل رئيس مباحث الجنوب ومن خلال خطة البحث تأكدت معلومات أن آخر مشاهدة للطفلة كانت مع غادة زوجة خالها واختفت بعدها آية ولم يظهر لها أثر، غير أن قدرة غادة على تمثيل الحزن انهارت خلال التحقيق معها، فقد كان يبدو عليها اضطراب ما وهى تتحدث وتناقض أقوالها، لكن نبرة الكراهية كانت واضحة عندما بدأت تتشكل خيوط الاعتراف بالجريمة الشنعاء فى أقوال المتهمة التى بدا عليها الحنق وهى تكشف امام فريق البحث الذى امر به اللواء عصام سعد مساعد وزير الداخلية لامن الجيزة واللواء مصطفى عصام حكمدار الجيزة ما أثقلت به صدرها من سواد تجاه الطفلة وأمها، فقد خططت القاتلة للتخلص منها فقط، لكسر قلب الأم. الخلافات التى تحدثت عنها غادة مع أسرة زوجها خال الطفلة لا يمكن أن تبرر إقدامها على جريمة بتلك البشاعة ولكن مقدار الكراهية والرغبة فى التشفى وغرس بذور الحزن والألم فى قلوب الأسرة ومن بينهم زوج القاتلة نفسها، كانت أقوى من أى دوافع أخري، كما أن ذهاب آية معها ومطاوعتها إياها عندما أدخلتها فى الجوال على سبيل اللعب كما اعتادت مع أقرانها، يؤكد أن الطفلة كانت تشعر بالأمان معها وأن ما تردده غادة بأنها دائمة السباب لها تنفيذا لأوامر والدتها، ليس سوى مبررات كاذبة ولا تدفع لارتكاب مثل هذه الجريمة، فقد دخلت الطفلة إلى الجوال وهى تضحك سعيدة بلعبها مع زوجة خالها وازدادت مرحا لما شعرت بها وهى تحملها فى الجوال ثم تسير بها ولكن لا يعرف - سوى رب آية- مدى الفزع الذى أصاب قلبها الصغير عندما ارتطمت بصفحة مياه الترعة المجاورة للمنزل ثم غاصت فى العمق لتصعد روحها الطاهرة تشكو لبارئها هول ما حدث. وعندما انتقلت النيابة لمسرح الحادث بصحبة المتهمة لتقوم بتمثيل خطوات الجريمة، تملك الذهول قلوب الناس وهم يرونها تشرح بدم بارد كيف استدرجت الطفلة وأدخلتها الجوال وكيف حملتها وأغرقتها. حقا أزيح الغموض عن الجريمة من الناحية الجنائية والقضائية ولكن مازالت دوائر الغموض تحيط بكيفية أن يحمل قلب إنسان هذا القدر من الوحشية لقتل طفلة بهذه الطريقة التى تستعصى عن كل وصف بالبشاعة.