يومًا بعد آخر ترتفع وتزداد حدة الاتهامات الموجهة لوسائل الإعلام، ومن ذلك إلهاء الجمهور والاهتمام بقضايا هامشية بعيدة عن اهتمامات المواطنين الحقيقية ومتطلبات التنمية، فضلًا عن تقديم معالجات سطحية لكثير من الموضوعات الحيوية، وغيرها من ممارسات، مما يتطلب التدريب الجيد والإعداد الواعى لشباب الصحفيين والإعلاميين، منذ المرحلة الجامعية وطوال الممارسة المهنية، إضافة إلى إعلاء المصلحة الوطنية والالتزام بمواثيق الشرف المهنية، خاصة أن الإعلام أحد أبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية فى عالمنا المعاصر، إذ يقوم بدور مهم، مؤثر وفعال، فى تشكيل منظومة القيم الحاكمة والسائدة فى المجتمع، إلى جانب الدور الذى تقوم به الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والشبابية والتشريعية ومنظمات المجتمع المدني. فى هذا الإطار تجدر الإشارة إلى مبادرة «إعلام المواطنة والحوار»، وهى مبادرة منذ نحو عشر سنوات، هدفها تدريب طلاب الإعلام، بتخصصاته المختلفة، ووسائله التقليدية والحديثة، وتدريب شباب الصحفيين والإعلاميين فى المؤسسات الصحفية والإعلامية، على نشر ثقافة المواطنة وتدعيم قيمة الحوار بين أتباع الثقافات المختلفة والأديان المتعددة، بما يُسهم فى تعزيز قيم المحبة والتسامح وقبول الآخر والإيمان بالتعددية والتنوع، ومناهضة التمييز، وترسيخ معانى العيش المشترك والتعاون البنّاء والعمل الجماعي، والإيمان بأننا جميعًا نعيش فى وطن واحد، تجمعنا عوامل كثيرة ومصير مشترك. تنطلق المبادرة من أن الحوار بين الثقافات يمثل قيمة إنسانية لا غنى عنها فى المجتمعات الحديثة والناهضة، فهو عملية مشاركة وتعلم، هدفها الفهم المتبادل لمعتقدات ومشاعر واهتمامات واحتياجات المجموعة أو المجموعات المشتركة فى الحوار، بأسلوب متفتح، غير عدائى وغير منغلق، من أجل تحسين التفاهم وبناء الثقة بين المشاركين، مع احترام وقبول الاختلاف فيما بينهم. ويمثل الحوار بين الأديان عملية اتصال منظمة بين أفراد ينتمون إلى ديانات مختلفة، بهدف تعزيز الفهم المتبادل والقدرة على التعايش السلمى والعمل المشترك والتفاعل البناء بين مكونات الجماعة الوطنية. من جانب آخر يقوم مبدأ المواطنة على أساس المشاركة والمساواة بين جميع المواطنين، فى الحقوق والواجبات، وأمام القانون، دون تفرقة أو تمييز بسبب الدين أو المذهب العقدى أو اللون أو الجنس «النوع» أو الانتماء الفكرى والأيديولوجى أو المستوى الاقتصادى والاجتماعي.. إلخ، ومن ثم اندماج المواطن فى العملية الإنتاجية، بما يُتيح له اقتسام الموارد فى إطار الوطن الواحد الذى يعيش فيه مع غيره من المواطنين، يشاركهم فى تحقيق نجاحاته وانتصاراته ويواجه معهم تحدياته. تعمل مبادرة «إعلام المواطنة والحوار» على ترسيخ ثقافة المواطنة والحوار عند طلبة وطالبات كليات ومعاهد وأقسام الصحافة والإعلام فى الجامعات المصرية، بالإضافة إلى الجماعة الصحفية والإعلامية، بما ينعكس على أدائهم الصحفى والإعلامي- حاليًا ومستقبلًا- على مستوى المساهمة فى الإصدارات الصحفية والمواقع الإلكترونية الجامعية وغيرها من المنصات الإعلامية التدريبية، ومشروعات التخرج التى تشمل الجرائد والمجلات والمواقع الصحفية الإلكترونية والأفلام التسجيلية والوثائقية والبرامج التليفزيونية والإذاعية وحملات التسويق الاجتماعي، إلى جانب الممارسات العملية التى تتجلى فى أداء المهنيين والممارسين. وتنطوى المبادرة على عدة فعاليات، منها تنظيم زيارات ميدانية إلى مواقع ثقافية وأثرية، مثل مجمع الأديان بمصر القديمة ومنطقة القاهرة الفاطمية وغيرهما، مما يعكس التعددية والتنوع اللذين يتميز بهما المجتمع المصري، بالإضافة إلى جانب نظرى وتدريب عملى يقوم به مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين فى مجالات الإعلام والمواطنة والحوار وإدارة الأزمات وحل الصراعات، من أجل معالجة صحفية وإعلامية لمختلف القضايا من منظور المواطنة، والرغبة فى مد جسور التواصل والحوار. إننا نتوقع دورًا مهمًا لطلاب الإعلام وطالباته، وعلينا استثمار رغبتهم القوية فى الانفتاح ومعرفة الآخر واكتشاف كل ما هو جديد من أفكار وثقافات، بما يدعم دورهم الحالى والمستقبلي، كما نتطلع إلى مزيد من فاعلية شباب الصحفيين والإعلاميين فى تعزيز ثقافة المواطنة وتدعيم قيمة الحوار، عبر إعداد أعمال صحفية وإعلامية، جديدة وجذابة ومبتكرة، تؤكد الدور التنويرى الذى يمكن أن يقوم به الإعلام فى بناء وطن ناهض ومواطن فعّال. إننى أتمنى إدراج هذا الموضوع فى مناهج التعليم وأنشطته بكليات ومعاهد وأقسام الصحافة والإعلام بالجامعات المصرية، الحكومية والخاصة، وأن تلتفت المؤسسات الصحفية والإعلامية لمثل هذا الموضوع، من أجل واقع إعلامى ينهض بالمجتمع والمواطنين. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق