يقول الله تعالى في محكم تنزيله في سورة الأحزاب: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً). إن تقوى الله تعالى هي وصية الله سبحانه للأولين والآخرين، يقول جل شأنه في سورة النساء: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) وأورد الإمام الطبراني في مكارم الأخلاق عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله، فإنها رأس أمرك. وقد ذكر العلماء مراتب متعددة للتقوى، أولها: اتقاء الكفر والشرك حتى يَصِحَّ الإيمان. وثانيها: تقوى المحرمات يقول جل شأنه في سورة الأعراف: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحناعليهم بركات من السماء والأرض) وفي هذا يقول التابعي الجليل الحسن البصري:المتقون هم الذين اتقوا ما حرَّم الله عليهم، وأدَّوْا ما افترض عليهم. فينبغي أن يتقي المسلم الصغائر (فإن معظم النار من مستصغر الشرر)، فإنها إذا اجتمعت إلى بعضها كبُرت وعَظُم خطرها. وثالث مراتب التقوى:اتقاء الشبهات،فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه أن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:الحلال بين،والحرام بين،وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه،ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارِمُه. وآخر مراتب التقوى: اتقاء بعض المباحات مخافة الوقوع في المنهيات فقد كان بعض الصالحين يترفعون عن الكلام المباح، فقد أورد الإمام الترمذي في الجامع الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدَع (يترك) ما لا بأس به حذراً مما به بأس. يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين: إن تحصيل مراتب التقوى وبلوغ كمالها هو التحقُّق بما أمر الله تعالى في قوله جل شأنه في سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ويكفي في فضل التقوى أنها ميزان الكرامة عند الله، يقول جل شأنه في سورة الحجرات: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وفي هذا تنبيه للمؤمن لأن يجعل كرامة الناس عنده هي التقوى، فيكرم أهل التقوى ويُجِلُّهم، ويكون عنده أكرم الناس وأحَبُّهم إليه أتقاهم، فقد أثبت الله لهم ولايته المتضمنة محبته ونصرته وموالاته، وأثبت لهم بشارته في الدنيا والآخرة.