ما زال سمير سمك ( ترزى، 67عاما ) يحتفظ برقم محمد عبد الوهاب، كدليل على العلاقة التليفونية التى جمعته به. ودكانه ، فى شارع ممتاز بالسيدة زينب، ما زال يحتفظ برائحة سماوية، فقد كان غرفة الشيخ محمد رفعت، قبل أن يهدم أبناؤه البيت. أما الفاترينة فلا قماش فيها ولا مانيكان، لا شىء سوى التراب وصورة، أبيض وأسود، للسادات وأخرى للحاج، مع وائل الإبراشى، ملونة كأنه وضعها هناك، لينفخ فى الفاترينة قبلة الحياة. تاريخ وتراب وبينهما مقص همدت حركته، كأن المهنة تلفظ أنفاسها من خلاله. بمرارة قال لى.. « بدأت الأمور تسوء منذ سنة 1980، عندما فتح أصحاب الأموال مصانع للملابس الجاهزة استخدموا فيها الهواة، فكبرت تجارة هؤلاء، ولم يكونوا ترزية أصلاً، على حساب الصنعة «. الرجل الذى يشعر الآن بوطأة الأزمة، لدرجة أن محله لا يدرّ عليه أكثر من500ج شهرياً، عاين فى شبابه بليغ حمدى وعبدالمنعم إبراهيم وعادل أدهم وأخذ مقاس أكتافهم. عرفتْ أقدامه أكبر محال التفصيل فى وسط البلد وعمل بها منذ أن ترك المدرسة فى الصف الخامس الابتدائي. قصّ بيديه آلاف القمصان وربّى 4 أطفال تعلم منهم 3 وتزوجوا والرابع فى الجامعة. وكان يرى «ماجدة « يومياً خارجة داخلة من عمارة الإيموبيليا. كانت عيناه تريان خرم الإبرة من على بعد. هذا الرجل يعانى الآن من قدميه ، فقد أهمل علاجها من شوكة نبتت فيها أثناء التدريبات فى حرب أكتوبر، ولا يكاد يرى بعينيه، لأنه بحاجة إلى كشف طبى ونظارة لا يملك ثمنهما، ولا يقوى على أن يصلب طوله، نتيجة تآكل فقرات الظهر والرقبة. ولما يئس من إمكانية أن يحجّ اكتفى بالنظر إلى الكعبة، المعلقة وراءه، فى برواز لم يسلم، هو الآخر، من التراب.