بداية أنا ضد المحاكمة السياسية للنص الغنائي، ولكن إذا كان مؤدى ذلك النص (المطرب) هو علامة على معنى سياسى بعينه، فإن التوقف أمام دلالات أغنياته ومعانيها يصبح من أوجب الواجبات، وإلا كان عكس ذلك يعنى قبولنا بأن يسحبنا هذا المطرب إلى حيث يريد سياسيا دون أن ندري.. والحكاية أن المطرب حمزة نمرة وهو من العلامات التى ارتبط بها أنصار يناير وواحد من الرموز الدالة على حالة الهياج التى انطلقت فى ميدان التحرير وشوارع المحافظات لتنفيذ بدقة وانسياق كامل مخطط حروب الجيل الرابع.. عاد ليطل علينا بأغنية جديدة استمعت لها أخيرا، بعنوان (دارى يا قلبي)، وعلى الرغم من أننى أجتهد لاستبعاد ما قيل عن انتماءات حمزة نمرة السياسية والإسلامية من ذهنى وأنا أستمع إلى هذه الأغنية، إلا أنها نص غنائى تحريضى استهدف بخبث ونعومة شديدين إثارة حنين فى نفوس سامعيها إلى زمن يناير والفوضى الكبرى التى أطلقها، ودون التورط فى كلمة سياسية مباشرة، النص وكلماته كانا مفعمين وزاخرين بالإيحاءات الحزينة لغياب زمن الفوضى والتخريب، والأغنية هى حديث بين المطرب وقلبه يقول له فيها (خايف تتكلم ليه.. فى عيونك حيرة وحكاوى كتيرة.. متغير ليه عن زمان.. قافل على نفسك البيبان.. كم كتر ما أحبطوك تمل) ولعلها المرة الأولى التى أصادف فيها مطربا يغنى للإحباط ثم يعود ليقول: (بقى طبعك قلة الكلام.. وطنك والأهل والصحاب.. كان واحد ودع وساب من غير أسباب) إلى أن يصل إلى ذروة الاستخلاص الذى حرص على الوصول إليه: (اتسرق العمر بالبطئ ورسى على مافيش).. هذا اللون من المعانى الذى يرمى إلى إطلاق طاقات الحزن والغضب والإحباط حين يجئ من حمزة نمرة بالذات يكتسب بعدا وعمقا كبيرين جدا، وقد حرص من يعدون مثل هذه الرسائل الغنائية على جودة الصنعة وجمال الألحان وقد كانت جميلة بالفعل، ولكن الغرض الأساسى كان تسهيل وصولها للناس وترديدهم لها واحتلال معانيها لوجداناتهم حتى تصبح الخلفية الشعورية التى يجهزون متلقيهم لها بحيث يصير مفعما بالحزن والغضب والإحباط وجاهزا لعدم الانخراط فى أى جهد أو عمل إيجابى أو وطنى بجد. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع