بذل قادة أوروبا كثيرا من الجهد قبل القرار الأمريكى من أجل ضمان عدم خسارتهم لصداقة إيران فى المرحلة المقبلة، وفى آن واحد عدم الخروج عن «طوع» الأخ الأمريكى الأكبر. وبالفعل، كان زعماء أوروبيون فى الأسبوع الماضى فى واشنطن فى محاولة أخيرة لتليين موقف دونالد ترامب، حيث اقترح رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون العمل على «صفقة جديدة» مع إيران، واقترحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على إيران التفاوض على مزيد من الصفقات بشأن برنامجها النووى والقضايا الإقليمية، بينما اتفقت بريطانيا مع ألمانياوفرنسا على تقديم اتفاق سياسى منفصل للبيت الأبيض يحمل التزاما لاتخاذ موقف أشد صرامة حيال إيران، بل أجرى ماكرون اتصالا هاتفيا مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى قبل أيام لإقناعه بجهود أوروبا الحثيثة لتهدئة الوضع. وبالطبع هددت كل من روسيا والصين، حليفى إيران التقليديين، بتوثيق علاقتهما «بشكل أكبر» مع إيران فى حالة تنفيذ ترامب لتهديده. ولكن يبدو أن «شيئا أكبر» أيضا هو الذى دفع قادة التكتل الأوروبى لعدم خسارة الاتفاق النووى المبرم عام 2015 والذى تم التوصل إليه بعد أكثر من 12 عاما من المفاوضات المرهقة. وأحد أهم الأسباب فى هذا الشأن هو حجم التبادل التجارى بين دول القارة وإيران. وتقول فرنساوبريطانياوألمانيا إنها ستظل ملتزمة بالاتفاق حتى إذا انسحبت الولاياتالمتحدة منه، وستحاول حماية وتعزيز التجارة مع إيران والتى زاد حجمها منذ رفع الاتحاد الأوروبى معظم عقوباته الاقتصادية على طهران. فقد قفزت صادرات إيران للاتحاد الأوروبي، وهى فى الأساس الوقود ومنتجات الطاقة الأخرى، عام 2016 بنسبة 344٪ إلى 5٫5 مليار يورو مقارنة مع العام السابق، وبالتالى فإذا لم يتسن إقناع ترامب بعدم الانسحاب فإن ثانى أفضل الحلول، كما يراها مسئولون فرنسيون، هو تشجيع الأمريكيين على الحفاظ على الظروف التى تمكن الشركات الأوروبية من مواصلة العمل. ومن جانبها، تقول وزارة الاقتصاد الألمانية إنها تنتظر اتضاح الموقف الرسمى الأمريكى بشأن إيران قبل أن تقرر ما إذا كانت ستوقف تقديم ضمانات تصدير للشركات الألمانية للدخول فى صفقات تجارية مع طهران، ومن شأن هذه الضمانات توفير حماية للشركات فى التعامل فى الخارج عندما يتقاعس المدينون الأجانب عن السداد. ومن جانب آخر، فيمكن أن تمثل إمكانيات التجارة مع أوروبا أداة للأوروبيين لتهدئة الإيرانيين وإثنائهم عن اتخاذ قرارات متسرعة مثل ترك الاتفاق أو إحياء الأنشطة النووية التى وافقوا على التخلى عنها. وقد تشمل الإجراءات المضادة قانونا وضعه الاتحاد الأوروبى فى التسعينيات لكنه لم ينفذ بشكل كامل، وذلك لحماية الشركات الأوروبية التى تتعامل مع إيران من التحركات القضائية الأمريكية إذا أعادت واشنطن فرض العقوبات.