تقول آية في الإنجيل كل مملكة أو مدينة تنقسم علي ذاتها تخرب وما نشهده هذه الأيام سعي إلي تمزيق أوصال أغلي وطن في الدنيا. تأمل معي ما يحدث علي الساحة المصرية, دماء طاهرة تسيل في سيناء, فمن الذي غدر بأولادنا من ضباط وجنود وهم علي الحدود, عيونهم ساهرة لا تنام, قلوبهم مؤمنة مطمئنة تحرس الحياة, ضمائرهم وهم في شهر الصيام ترنو إلي السماء, يغدر بهم فئة ضالة, ويتساءل المرء هل هذه الفئة من أعداء مصر؟ أم هي من المكر والدهاء تدعي القومية وتنادي بالعروبة أو بالأخوة, وتظن أن مصر لم تعد تخيفهم أو تردعهم أم هي جماعة إرهابية متطرفة, وكيف تسللت من عند الجار العزيز أو الشقيق؟ والذين قتلوا لحظة الإفطار من هم؟ فلذات أكبادنا وأجنادنا الحراس الأمناء؟ أم أنها خطة جهنمية لتمزيق الوطن وإثارة الشعب وخلق فوضي تحيل الحياة إلي كابوس مخيف؟ ما حدث في سيناء يردد صوت الشهداء الأبرار. الوطن في خطر. ويتصل المشهد في الداخل, وتطل ما يقال عنها فتنة وما هي بفتنة, بل هو غياب القانون والعدل, ما حدث في سيناء تكرر كثيرا بصور مختلفة, وما حدث بالداخل عشرات المرات, تقتل نفوس بريئة, تحرق منازل البسطاء, تسلب أملاكهم, يهجرون قسرا أو خوفا أو هروبا طلبا للنجاة, فهل سقط القانون ورحل العدل, كلمات طمأنة جوفاء تأتي من هنا أو هناك, مسئولون اعتادوا فن إلقاء الخطب, عجز واضح في تطبيق القانون وإقامة العدالة, ذلك كله يصرخ أمام أعيننا: الوطن في خطر. ومن أعجب الأمور أن الشعب في غالبيته الساحقة يرفض هذه الأحداث, بل ويشعر بالمرارة والإحباط أمام تكرارها, ولأن شعبنا الطيب المؤمن, عاشق للحضارة وللحياة وللبناء تتعمق آلامه ويتحسر علي وطن في خطر, يدرك أن جيشه العظيم يرفض الأحداث, وشرطته الوفية المخلصة ترفضها كذلك, ثم نقف كلنا عاجزين عن مواجهة هذا الخطر الداهم, لأن القانون والعدالة في إجازة طويلة. أغلب الظن أن ما يعيث فسادا علي الحدود أو في الداخل ظنوا أن مصر شعب ساذج, وأن حكومته القديمة والجديدة لا وقت عندها لدرء الخطر عن الوطن, فهي مهمومة بقضايا الدين والسلطة واقتسام الغنائم, وأن ساحة البلاد أضحت مفتوحة بلا ضابط أو رقيب, وأن الأمور تهدأ بعد قليل من المسكنات, وأن الشعب من طبيعته النسيان, حتي يستيقظ مرة جديدة علي مآس أخري, وننسي أن الوطن في خطر. سمعت مسئولا كبيرا من الأخوة الجيران, يشجب الحدث ويدين الأشرار لكنه لم يركز إلا علي قوله افتحوا الحدود من أجل الدواء والطعام والطاقة, أما الأرواح الطاهرة التي زهقت, والقلق العميق الذي أصاب المجتمع المصري, أما بكاء الأمهات الثكلي والآباء المكلومون والوطن الجريح فهذا عنده أمر ثانوي, عبث ما بعده عبث واستهتار ما بعده استهتار بأمة عظيمة لها الفضل علي عالمها العربي, وهذا أمر يدل علي أن الأخوة الجيران لا يهمهم إلا فتح الحدود بدلا من الإعلان عن العمل الجاد للقبض علي المجرمين وتقديمهم إلي المحاكم المصرية كبادرة صدق النوايا وصفاء الضمير, والصورة في الداخل وجه آخر لما يحدث علي الحدود, كلمات مطمئنة, غير عابئة بالحزن والأسي, بالإحساس بالمذلة والمهانة لدي من خسروا أبناءهم وبيوتهم وممتلكاتهم, وكأننا لا نعيش زمن ثورة العيش والحرية والكرامة, وهذه الأحداث علي الحدود أو في الداخل تحرم المواطن من العيش, وتسلبه الحرية وتدوس علي الكرامة. الحاجة ملحة الآن إلي تنفيذ القانون والعدالة بروح ثورية, وإعلان ميلاد عدالة الثورة لمصر التي ولدت من جديد, أو هي في مخاض ولادة عهد جديد, دماء الشهداء علي رمال سيناء تشعل نار الألم وتصرخ بالحق الضائع, ومأساة الحرائق والمنازل المدمرة تهز ضمير الأمة, إن المشهد اليوم ينبئ بأن القادم أسوأ وأفظع وأفدح إن لم تستيقظ الأمة كافة شعبا وجيشا وحكومة, لا نريد أن نسقط المآسي في بئر الإهمال والتباطوء واللامبالاة, فالوقت جد خطير و الوطن في خطر أيها الأخوة الأشقاء... أيها الأعداء المتربصون بنا, أيها الذين يسترخصون الدم المصري, أيها القاصي والداني, إن مصر الخالدة العظيمة قد نهضت, قد ثارت, قد عرفت طريقها إلي التقدم والنور ولن يعود التاريخ إلي الوراء. المزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته