قمنا باستقصاء محدود للرأي، للتعرف على استيعاب المواطنين ماهية وأسباب وتداعيات وضرورة الإصلاح الاقتصادى الذى تقوم به مصر بعد تردد لمدة 50 عاما فى اتخاذ القرار مما أدى الى تفاقم المشكلات التى تنجم عنه، خاصة ارتفاع الأسعار. لم يكن الإحجام عن اتخاذ هذا القرار تجاهلاً لضرورته وأهميته انما تخوفاً من عواقبه التى سوف تؤثر فى شعبية من يتخذه. ومن كثير يحسب للرئيس السيسى انه اتخذ القرار واختار مصلحة مصر ومستقبل شعبها. حتمية الإصلاح الاقتصادى تقوم على حقيقة بسيطة واضحة. الدولة التى تقدم لشعبها الخدمات والسلع مجاناً أو أقل من التكلفة ولا يواكب ذلك عمل وانتاج وزيادة فى الموارد بأنواعها فإنها حتما سوف تصاب بالإفلاس الذى يهدد الوطن كله بالسقوط. وهو ما حدث فعلاً فى اليونان والبرازيل وغيرها واضطرت الدولة لاتخاذ اجراءات صارمة للتقشف وتخفيض أو الغاء الدعم. المسيرة تبدأ كالآتي: تعانى دولة من مشكلات اقتصادية تهددها بالإفلاس وتلجأ للمنظمات النقدية الدولية للحصول على قروض أو معونات. هذه المنظمات ليست جمعيات خيرية وهى تعطى القروض فقط بعد التأكد أن الدولة قادرة على الوفاء بها، وهو ما لا يمكن أن تقوم به الدولة طالما أنها تهدر مبالغ طائلة لذلك تطالب المؤسسات وتشترط اجراءات معينة أهمها التقشف ورفع الدعم. يصبح على الحكومات الاختيار بين بديلين: إما الاستمرار بالتمسك بالنظام الاقتصادى القائم على الدعم الذى يقود إلى الانهيار الاقتصادى الكامل أو الإقدام على الإصلاح الاقتصادى وتحمل نتائجه وتوابعه للخروج من الانهيار المحتمل مع العمل على زيادة الإنتاج وحماية الموارد. ظلت مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة تراكمت عبر السنوات وأصبحت تهدد بالانهيار لم يكن هناك بديل سوى الاقتراض من صندوق النقد الدولى فاقترضت 13 مليار دولار. جاءت موافقة الصندوق على تقديم القرض على دفعات مشروطة بتنفيذ طلبات مع كل دفعة، كان على رأسها تعويم الجنيه ورفع الدعم بالتدريج وعلى مراحل عن بعض السلع ثم عن المحروقات والكهرباء والمياه والمواصلات. مشكلة الدعم فى مصر مشكلة صعبة لها جذور غير منطقية ظلت محل دراسة ونقاش لسنوات طويلة كتبنا وكتب غيرنا حول هذه القضية فقد كان من غير المعقول أن تستمر حكومة مصر تدفع جزءا من تكلفة رغيف العيش والمواد الغذائية والسلع والخدمات ليستفيد منها مواطن يملك الملايين أو أجنبى يبلغ راتبه الآلاف والدبلوماسيون (حتى دول محور الشر) ثم نطوف العالم نطالب بالمزيد من المعونات أو القروض كما أن انخفاض سعر السلع أدى إلى اهدارها واساءة استخدامها كما نعرف جميعاً. استمر الدعم يكلف الدولة ملايين الملايين كان من الأولى أن تنفق لتوفير حياة وخدمات أفضل للمواطنين. جاءت نتيجة الاستقصاء المحدود الذى قمنا به محبطة، وإن كانت متوقعة ، تبين أن قلائل جدا يدركون ماهية الإصلاح الاقتصادى جدواه ونتائجه وضرورته من أجل الوصول لمرحلة أكثر اشراقاً. قال أغلبهم ان «الحكومة» سبب الغلاء، قالت سيدة استاذة فى الجامعة اسوأ ما به هو عنصر المفاجأة والمباغتة ننام فى ظل أسعار معينة ثم نستيقظ لنجدها تضاعفت دون إعداد أو إنذار لماذا لا تصارحنا الحكومة بالحقائق وبما نتوقع. قالت سيدة بسيطة يقولون إن هذا أفضل لمصر ونحن نصدق الرئيس. كان واضحاً أن الغالبية من أفراد الشعب لا يدركون تماما ماهية وضرورة الإصلاح الاقتصادى ولا يدركون مبلغ الدعم الذى تتحمله الحكومة. كما لا يشر أحد إلى ما تقوم به الدولة الآن لحماية محدودى الدخل من ارتفاع الأسعار. لذلك نسهب بعض الشيء فى الشرح. لم يعرف أغلب الشباب الذين يشكون أن رغيف العيش الذى ثمنه 5 قروش تكلفته 55 قرشا وتتكفل الحكومة بالفرق واتضح أن كثيرا لا يعلمون أنه للتوفيق بين الضرورات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية تمكنت وزارة التموين من مواجهة الموقف والمبادرة بوضع نظام البطاقات التى تقدم لمحدودى الدخل بطاقة قيمتها 50 جنيها لكل فرد أى الأسرة المكونة من أربعة أفراد لها 200 جنيه لتحصل بها على الغذاء الأساسى مثل الأرز والسكر والمكرونة والزيت الخ (21 صنفا) ويستفيد منه 720 مليون شخص. وقد تحمل الشعب بصبر هذه الإجراءات لشعوره أنها العلاج المر لمشكلات الحاضر ولضمان مستقبل اولاده. شعب مصر أثبت مرة أخرى عظمته وقدرته فهو الذى قام بثورة التحرير فى يونيو للتخلص من نظام سياسى فاسد وقام ايضا بتحمل ما جاءت به اجراءات الإصلاح الاقتصادي. ونحن على اعتاب المرحلة الثالثة لذلك الإصلاح مرحلة رفع الدعم عن المحروقات والغاز وهى فترة سوف تزاد خلالها المطالب والنفقات من مدارس وشهر رمضان وموسم الأعياد فماذا أعددنا لمواجهة تداعيات تلك المرحلة؟ وهل للحكومة ووزارة البترول مبادرة ذكية مثل مبادرة وزارة التموين؟ وهل للحكومة خطة للتوعية الذكية التى تشرح الموقف للمواطنين؟ إن الصبر والوطنية التى اثبتها الشعب من المهم حمايتها والحفاظ عليها كى تستمر ونتخطى المراحل القادمة بنجاح. حفظ الله مصر وشعبها. لمزيد من مقالات ◀ د. ليلى تكلا