رغم مرور سبع سنوات على مصرع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة والرجل الذى كان يوصف بأكثر الإرهابيين المطلوبين فى العالم، فيما اعتبر وقتها انتصارا واضحا على الإرهاب وبداية لعهد جديد فى أفغانستان، تلك الدولة التى كثيرا ما عانت من أثاره المدمرة. فإن الواقع العملى الآن يشير لعكس كل هذه التصورات المتفائلة، بل يؤكد تدهور الأوضاع إلى الأسوأ، على الصعيد الأمنى وأيضا على صعيد خطط واستراتيجيات مواجهة ما يحدث على الأرض، فى ظل معطيات جديدة لم تكن فى الحسبان. والدليل على ذلك ما شهدته العاصمة كابول وبعض المدن الكبرى الأخرى من هجمات دموية متواترة كان آخرها التفجير الانتحارى المتزامن فى العاصمة الذى راح ضحيته ثمانية صحفيين، ثم مصرع 11 شخصا بمدينة قندهار بينهم عشرة أطفال فى هجوم انتحارى استهدف قافلة عسكرية لقوات أجنبية بالمنطقة. الأمر الذى يؤكد أنه رغم مرور كل هذه السنوات على التخلص من بن لادن رأس الارهاب فى العالم، فإن أفغانستان مازالت تمثل المصدر الرئيسى للارهاب والدموية فى العالم، خاصة فى ظل مستجد جديد وهو التنافس بين جماعة طالبان وتنظيم داعش -الذى أوجد لنفسه مؤخرا مكانا فى الساحة الأفغانية- على اكتساب النفوذ والسيطرة. وهو ما دفع كثيرا من المحللين للقول بأن معادلة الصراع حاليا لم تعد بين طرفين هما طالبان والحكومة الأفغانية بل اتسعت لتشمل تنظيما ارهابيا جديدا هو داعش، بكل ما يمثله ذلك من تعقيد جديد للموقف. بل إن هؤلاء المراقبين يرون الآن وبما لا يدع مجالا للشك أن الوجود الأمريكى فى أفغانستان لم يلعب دوره المرجو فى القضاء على هذه التنظيمات أو على الأقل تحجيم دورها، والدليل على ذلك التقارير التى تظهر بين الحين والآخر وتشير ليس فقط لتزايد نفوذ طالبان المسيطرة بالفعل على مساحات واسعة من أقاليم أفغانستان، بل الأخطر من ذلك انخفاض أعداد المنضمين لقوات الأمن بنسبة 10% ، وقيام هؤلاء بترك مواقعهم والانضمام لطالبان، وهى التقارير التى ترفضها الجهات الحكومية بشدة. وهنا يشير تقرير لل «بى.بى.سى.» نشر مطلع العام الحالى إلى أن طالبان والجماعات الإرهابية الأخرى تسيطر أو لديها نفوذ قوى فى حوالى 14% من أقاليم أفغانستان، وهو أعلى مستوى منذ بدء تسجيل هذه التطورات عام 2015، وذلك رغم إنفاق القوات الدولية بزعامة الولاياتالمتحدة مليارات الدولارات لهزيمتهم، ليس هذا فقط بل إن نشاطها الارهابى يبدو واضحا أكثر من أى وقت مضى، رغم تأكيدات الحكومات الأفغانية المستمرة بأنها مسيطرة إلى حد كبير على الوضع، فهجمات طالبان وداعش مازالت تحصد أرواح المئات فى العاصمة كابول ومناطق أخرى. كما أن التقرير رصد أيضا أن قرابة 15 مليون مواطن أفغانى أى ما يعادل نصف السكان يعيشون فى مناطق إما تسيطر عليها حركة طالبان أو يتمتع فيها مسلحو الحركة بحضور ونشاط كثيف، وهؤلاء يشنون هجماتهم بصفة منتظمة سواء فى شكل هجمات جماعية متزامنة وكبيرة على القواعد العسكرية أو بشكل فردى ومتفرق ضد نقاط التفتيش التابعة للشرطة، مع الأخذ فى الاعتبار أن الكثير من هذه الهجمات لا يجرى الابلاغ عنها، حيث إن الهجمات الكبرى فى المدن هى فقط التى تتصدر نشرات الاخبار فقط، بينما ما يحدث خارج نطاق المدن الكبرى نادرا ما يتم تسجيله. وهو نشاط يمكن ملاحظته بسهولة رغم أن المعلومات الدقيقة عن هذه الهجمات وحجم ضحاياها أصبحت أكثر صعوبة منذ انسحاب القوات الدولية وتسليم المسئولية للقوات الأفغانية. ويبدو أن هذا الوضع الأمنى المتدهور يعد نتيجة حتمية لتخبط استراتيجية مواجهة هذه التنظيمات، حيث سبق للحكومة الأفغانية الدخول فى مفاوضات مع حركة طالبان ولكن بلا جدوى، وربما يعود هذا التخبط لإدراك الحكومة الأفغانية والجانب الأمريكى عدم جدوى المواجهة الأمنية مع طالبان، بسبب العمق الاستراتيجى والقبلى لطالبان الأفغانية داخل الاراضى الباكستانية، وهو ما يعنى أن الوضع الآن يتجه أكثر فأكثر نحو الإقرار بأن أفغانستان وباتفاق كثير من المراقبين أصبحت ملاذا آمنا لطالبان وداعش. هذا التحليل تؤكده للمفارقة حكومة كابول التى رصدت تطورات الوضع فى شرق البلاد وتحديدا اقليم قندهار، حيث تجرى عمليات واسعة لتجنيد الشباب لصالح تنظيم داعش. بل اغراء عناصر من الجيش النظامى وقوات الشرطة الأفغانية لترك مواقعهم والانضمام لداعش. وهو أمر يؤتى ثماره فى بعض الحالات بسبب ضعف الولاء فى أحيان وقلة الرواتب وكذلك الانتماء القبلى فى أحيان أخرى. وهو ماينذر بخطورة بالغة لأن التنافس بين طالبان وداعش لن يؤثر على تدهور الاوضاع الامنية فى الداخل فقط ولكنه سيسفر عن تداعيات أخطر على المستوى الاقليمى خاصة فى باكستان التى تتشابك قبليا مع أفغانستان والصين وكذلك روسيا وكلاهما تتحسبان لتسلل هذه العناصر الإرهابية لأراضيهم عبر الحدود الجغرافية. ويظل السؤال المطروح دائما حول كيفية تعامل الحكومة الأفغانية مع هذا الواقع المؤلم وكذلك عن الاستراتيجية الدولية والامريكية تحديدا تجاه هذه التطورات السلبية؟